أحلام على هامش نتانة وتعفن المشهد الحزبي والسياسي.
ان المتأمل في وضع المشهد الحزبي والسياسي بصفة عامة سيستنتج خلاصة واحدة مفادها عبثية، وعشوائية،ونتانة،وتعفن المشهد…وهو لاشك ما جعل جلالة الملك ينتقد بصريح العبارة المشهد في خطابه بمناسبة الذكرى 18 لعيد العرش،يقول جلالته:”…بعض الفاعلين أفسدوا السياسة، وانحرفوا بها عن جوهرها النبيل..”، متسائلا:”إذا أصبح ملك المغرب، غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة،ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟”. وعلى نفس المنوال سار السيد والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري، الدي هاجم الوعود الكاذبة للأحزاب للمواطنين.
وامام هذا الوضع – حيث الاعتراف العام بان الأحزاب ومن يواليها من إطارات واشخاص أصبحوا في واد والشعب وهمومه في واد آخر كما ورد في خطاب جلالته بمناسبة الذكرى18 لعيد العرش-، الا يمكن مجازا وموقتا البحث عن تيارات وطنية واشخاص اخرين -عندهم الكبدة على هذا الوطن وهذا الشعب –يمتلون ويحملون هموم الشعب حقيقتا لا تصنعا، وتمنح لهم الفرصة للتفاوض مع المؤسسات الامبريالية(صندوق النقد الدولي والبنك الدولي)، بل ووضع برامج تنموية لانقاد الوطن والمواطنين من بطش الرأسمال الوحشي وانتهازية الطبقة السياسية.
وبعبارة أوضح الا يمكن مجازا وموقتا منح التنسيقيات التي تحتج اليوم ضد مخطط بيع المدرسة العمومية في المزاد العلني/الخوصصة، فرصة للتفاوض مع هذه المؤسسات الامبريالية؟؟فلربما كانت المكاسب أحسن من التفاوض عبر كائنات حزبية ريعية لم يعد يثق بها أحد افسدت السياسة، وانحرفت بها عن جوهرها النبيل، فأصبحت في واد والشعب وهمومه في واد اخر.
اليست التنسيقيات وما شابهها اليوم أكثر مصداقية وتأثيرا على الراي العام، من هذه الطبقة السياسية الريعية التي لم يعد يصدقها أحد- اللهم من استفاد معها في مكاسب الريع الحزبي والسياسي والاقتصادي- ولا تأثير لها في المجتمع؟؟ اللهم احتكارها للمسرح الإعلامي في بلادنا، وكواليس الصفقات العمومية الكبرى وحتى الصغرى/سندات الطلب بالجماعات الترابية والإدارات والمؤسسات مركزيا ومحليا، وقلب كل المخططات التنموية، من مخططات لتنمية الوطن والمواطن، الى وسائل للرفع من مدخرات حساباتهم البنكية محيلتا كانت او دولية…ومن ثم تحويل الأهداف العامة لهذه المخططات من مخططات للشعب والوطن الى مخططات للثراء الفاحش لهذه الطبقة السياسية المارقة/المرايقية، وبالمقابل إرهاق الطبقة المتوسطة بعدما تم سحق الطبقة الفقيرة.
سيقول البعض منكم، هذه أحلام؟؟ وهذه دعوة لتجاوز قواعد السيادة الوطنية…ادا كيف يمكن القبول بان تتفاوض تنظيمات مجهولة القيادة مع مؤسسات خارج الوطن؟
أقول لكم، اليس من حقنا ان نحلم بوطن غير الوطن الدي تريد هذه الطبقة السياسية الريعية المارقة ان توهمنا انه هو الأصل ودونه لا يمكن؟؟ دعونا نحلم بميلاد وطن جديد، وطن يوفر المواطنة الكريمة لأبنائه، بقدر ما يكنون له من وطنية مخلصة. إذ لا مواطنة بدون وطنية ولا وطنية بدون مواطنة، كما ورد في خطاب جلالة الملك بمناسبة الاحتفال بذكرى ثورة الملك والشعب بتاريخ20 غشت 2004.
دعونا نحس على الأقل بين تنايا هذه الحروف وهذه المقالة المتواضعة اننا لسنا غرباء في هذا الوطن بل شركاء.
دعونا نحس على الأقل بين تنايا هذه الحروف وهذه المقالة المتواضعة اننا مشاركين لا مجرد مستهلكين.
انها ليست نظرة تشاؤمية ولكن دعونا نعترف أن مسؤولي أرضنا يخنقون الأحلام يذبحونها يسلخونها يقتلونها وإن لم تمت فهم يمسخونها كائنا واهيا بلا هوية أو ملامح…حتى أحلامنا الغضة البريئة التي كنا نرسمها ألوانا شفافة ماتت قهرا لمجرد أن الطريق امامنا محاصر بالأشواك…
دعونا نستر ظلام الماضي والحاضر بالأحلام بإشراقة الصبح الجميل.
دعونا نحلم بغير الشطط في استعمال السلطة أو احتكار امتيازات الوطن بيد البعض دون بعض.
دعونا نحلم بوطن يسوده العدل ويسود فيه الحق والقانون، لا محسوبية ولا زابونية فيه.
دعونا نهرب من الحاضر بواقعيته السوداء التي تجعل الحياة أصعب من أن تطاق.
دعونا نهرب من هذا الحاضر ولو لدقائق معدودة لا تزيد على زمن الحلم وقراءة هذه الزاوية.
دعونا نحلم بوطن كالجنة، والحياة فيه رحلة بديعة خالية من المنغّصات والآلام.
وحينها يمكن ان نتكلم عن السيادة الوطنية!!!
ولكن من الواجب قبل الحديث عن قدسية السيادة الوطنية، ان نبحث عمن يؤمن بها ويمارسها ويدافع عنها، وليس سماسرة يبيعون هذه السيادة بأبخس الأثمان، وأخس التآمر، وبأسوأ العروض، وبأفشل الاقتراحات، لأنهم يعتقدون أن تعليما قويا وناجحا لن يساعدهم على تكوين قطيع الانتخابات و”الزرقلاف”!! كما قال الدكتور الخمسي.
ألم يقل ويصرح أحد الكائنات الريعية التي ابتلي بها هذا الوطن، أنه يتمنى التخلص من التعليم العمومي والصحة العمومية!!؟بل ومهد الطريق لذلك!!! ويضيف عليه اخر بالوعيد وتهديد الشعب.
هناك قولة لنيتشه عن العلاقة بين المؤلف والممثل، فنحن أمام ممثلين يسمون أنفسهم سياسيين، ونعلم أن المؤلفين خارج الوطن، نحن أمام من يسمون أنفسهم قيادات حزبية، وليس لهم من القيادة شيء، فالقيادة هي خدمة الوطن والمواطنين بصدق، وليست اتقان خطاب التضليل والتهديد والكذب وصناعة مشاكل عويصة تستمر من بعدهم ترهق البلاد والعباد.
كائنات تحكم الوطن بهذا النهج كلما ازداد صبر وتحمل الشعب ازداد كذبهم وفسادهم وطغيانهم… ماذا تنتظر من مواطنيها؟؟من المؤكد أن البائع سيتلاعب في الميزان.. والمدرس لن يراعى ضميره في مدرسته … والمهندس والمقاول سيسرقان ويغشان في المشاريع … والموظف سيرتشى … والطبيب سيتاجر في مرضاه … والقاضي سيحكم للأقوى ويسلب حق الضعيف البسيط … والمواطن سيسرق ما يمكن سرقته وهو مرتاح البال … ورجال الأعمال سيتهربون من دفع الضرائب المستحقة عليهم … والتجار سيحللون رفع الأسعار ومص دم المواطنين … والسياسي سيكذب ويسرق … ورجل الامن سيرتشى … والعسكري سيتكاسل او يخون …!!
“أنا ومن بعدى الطوفان”، هذا هو الشعار الذي يسير عليه معظم الشعب بعد أن تلقنوا فنون الغش والتزوير والنصب والاحتيال والكذب من الكائنات الحزبية الانتخابية المتحكمة في المشهد السياسي.. فمن يحاسب من؟!
ليس المهم بالنسبة لي على الأقل في هذه المقالة الجواب على من يحاسب من، ولكن المهم بالنسبة لي هي اننا في حاجة لقيادات سياسية وطنية مخلصة لله والوطن والملك.
قيادات وطنية حقيقة لا تكذب ولا تحاول تنصيب “الحقيقة المزيفة” مكان “حقيقة الواقع” المتواضعة والمرة، وتعمل على “تبييضها” بالتضليل وبواسطة الاشاعات والتعمية والترهيب والتقنيات الحديثة، وهي كلها ممارسات صارت مسجلة للطبقة الحزبية الريعية في بلدنا. وهذا التكالب الهائل على الحقيقة يشكل خطرا كبيرا على مستقبل الوطن والمواطن…
ذلك ان هذه الكائنات الحزبية التي تتحكم في المشهد الحزبي والسياسي ببلدنا، والتي تصر على ممارسة التضليل والكذب على الشعب بهذه الوقاحة وهذه الطريقة الاستفزازية.. لا تدرك أنها ترتكب جريمتين مدمرتين ضد الوطن بأكمله:
الجريمة الأولى: أن الشعب يفقد الثقة في مؤسساته.. لا يصدقها.. لا يحترمها.. لا يثق في قضائها.. ولا يثق في مسؤوليها..
الجريمة الثانية: وهي الأكثر خطورة، فهي أن الشعب يسلك نفس الطريق الذي سلكته هذه الكائنات الحزبية والسياسية معه.. ويسير على نفس الدرب.. يتحايل على القوانين.. يحتال على الوطن.. يبدع في اساليب الخداع وألاعيب الهروب من أداء واجبه والتزاماته تجاه الوطن.. تتدنى عنده نسب الوطنية وحب الوطن الى أدني نسبه.. يعتبر الوطن مجرد طريق كتب عليه مرغما ان يمر من خلالها الى حين الوصول الى البديل المأمول.. ومن ثم يكون لدينا طبقة سياسية حاكمة كاذبة.. وشعب محتال.. وهذا ما ارتكبته عشرات الحكومات والمسؤولين والاحزاب الانتهازية في حق هذا الوطن الى الان ….
القيادات الوطنية الحقيقة المخلصة لله والوطن والملك، لا تحقد على من يختلف معها، وتدبر له المؤامرات والمخططات لجعله وراء القطبان بتهم واهية…
القيادات الوطنية الحقيقة المخلصة لله والوطن والملك، لا تشعر بأن نتائج الانتخابات التي لم تكن في صالحهم، بغض النظر عما شابها من خروقات وتجاوزات…هو انتقام واستهداف لها…
القيادات الوطنية الحقيقة المخلصة لله والوطن والملك، لا تقوم بحملات انتخابية مملوءة بوعود صبيانية كاذبة، وتبيع الوهم الذي يتحول مع الزمن إلى اليأس فالرائد لا يكذب قومه، القيادات الوطنية الحقيقة المخلصة لله والوطن والملك، لا تفتخر على المواطنين بأموالهم ونجاح أبنائهم.
القيادات الوطنية الحقيقة تصنع التاريخ، ولا تحاول الركوب عليه.
القيادات الوطنية الحقيقة تؤمن بتدبير الاختلاف ولها مهارة معالجة الألغام الاجتماعية، وأكثر من هذا وذاك تتقن مهارات الحفاظ على سيادة البلد مع تحقيق السلم الاجتماعي وتدبير الاختلاف السياسي.
بواسطة : محمد امنون/ مدير النشر.