
إدريس الفينة: “الصين..الأزمة الاقتصادية الصامتة”.
بينما تواصل بكين تقديم نفسها كقوة اقتصادية قادرة على مواجهة الأزمات العالمية، تتكدّس مؤشرات داخلية مقلقة تشير إلى أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم يمر بأزمة صامتة، لا تنفجر على شكل انهيار مالي مباشر، لكنها تتسرّب ببطء إلى جميع القطاعات.القطاع العقاري، الذي كان يمثل 14.45% من الناتج المحلي في 2021، انخفض إلى 12.94% عام 2024. مع دخول “إيفرغراند” في التصفية القسرية بديون تتجاوز 300 مليار دولار، وتوقّع غولدمان ساكس بهبوط إضافي في أسعار المنازل حتى 10%، صار هذا القطاع مصدر ضغط مالي واجتماعي. الأرقام تكشف أن استثمارات العقار في 2025 تراجعت بأكثر من 11%، لتصبح الأزمة أعمق مما تعكسه التصريحات الرسمية.
في 2024 لم يتجاوز التضخم 0.2%، فيما ظل مؤشر أسعار المنتجين في انكماش، مسجلاً -3.6% في يوليو 2025. غياب التضخم في اقتصاد بحجم الصين ليس علامة استقرار، بل إشارة إلى ضعف الطلب المحلي وتراجع الثقة الاستهلاكية.
المؤشر الصناعي الرسمي (PMI) بقي تحت مستوى 50 نقطة لخمسة أشهر متتالية حتى أغسطس 2025، ما يعني انكماشًا متواصلاً. الأرباح الصناعية تراجعت، والقروض الجديدة باليوان انكمشت لأول مرة منذ عشرين عامًا، وهو مؤشر على فتور الاستثمار والاستهلاك معًا.
الحكومات المحلية مثقلة بديون ضخمة عبر منصات تمويل غير شفافة. صندوق النقد يقدّر الديون المخفية عند 60 تريليون يوان، أي ما يعادل 48% من الناتج المحلي. هذا العبء يحد من قدرة الأقاليم على الاستثمار في البنية التحتية والخدمات الأساسية.
عدد السكان تراجع في 2024 إلى 1.408 مليار نسمة (-1.39 مليون)، حيث تجاوزت الوفيات عدد المواليد للعام الثالث على التوالي. النتيجة: قوة عمل تتقلص، وأعباء الشيخوخة ترتفع، ما يضعف قاعدة الاستهلاك ويزيد الضغوط على نظام الرعاية الاجتماعية.
معدل بطالة الشباب ظل في حدود 14–16% عام 2025، أي ثلاثة أضعاف المعدل العام تقريبًا. هذه الفجوة تكشف عن فجوة هيكلية: جامعات تخرّج ملايين المؤهلين في اقتصاد لم يعد قادراً على خلق وظائف عالية القيمة.
رغم نمو الصادرات بنسبة 7.2% في يوليو 2025، فإن ذلك جاء مدفوعًا بتأجيل رسوم جمركية أمريكية أكثر من كونه انعكاسًا لقوة تنافسية متجددة. الأسواق العالمية تظل متنفسًا مؤقتًا، لكنها غير كافية لتعويض ضعف الطلب الداخلي.
وكالة موديز خفّضت توقعاتها لنمو الصين في 2025 إلى 3.8% فقط، مشيرة إلى أن التوترات التجارية والركود الداخلي سيستمران في الضغط على الأداء. البنك الدولي بدوره لا يتوقع أكثر من 4.5% نمو، فيما مؤسسات مستقلة قدّرت نمو 2024 الفعلي بأقل من 3%.
بعيدًا عن الأرقام، ارتفعت وتيرة الاحتجاجات والإضرابات في الصين بشكل غير مسبوق منذ 2023، خاصة في الأقاليم الصناعية الساحلية. الإحصاءات غير الرسمية تشير إلى تسجيل مئات الإضرابات الاقتصادية في 2023–2024، مقارنة بعشرات فقط في العام السابق، ما يعكس تآكلًا ملموسًا في الصبر الاجتماعي.
الأزمة الاقتصادية الصينية ليست انفجارًا على الطريقة الغربية، بل انهيار تدريجي: عقار متداعٍ، أسعار راكدة، شباب بلا وظائف، ديون متراكمة، ونمو يتباطأ سنة بعد أخرى. كل ذلك يجري وسط خطاب رسمي يصر على الثقة والقدرة، لكن الواقع يقول إن “الأزمة الصامتة” لم تعد صامتة، بل أصبحت أرقامًا تُنذر بتحول استراتيجي طويل الأمد.