كتاب وآراء

ادريس الفينة: معايير تعيين الوزراء في المغرب.. غياب الكفاءة وإخفاق الاختيارات الاستراتيجية.

تمثل الحكومة في أي دولة الجهاز الأساسي المسؤول عن صياغة وتوجيه السياسات العمومية، ما يجعل تشكيلها أمرًا بالغ الأهمية لضمان تنفيذ برامج تنموية تحقق التقدم والنمو. لكن في المغرب، تبدو عملية اختيار الوزراء محاطة بغموض كبير، حيث تتزايد التساؤلات حول المعايير المتبعة في التعيينات الوزارية. فمع كل حكومة جديدة، يظهر العجز في تحقيق أهداف التنمية بوضوح، وتبقى الحكومة بعيدة عن تطلعات المواطن، فيما تشير المقارنات بمؤشرات النمو والتنمية مع دول أخرى إلى إخفاقات متكررة.
تعيينات غامضة وغياب للشفافية في اختيار الوزراء
يلاحظ المتابعون للشأن الوطني أن التعيينات الوزارية تفتقر غالبًا إلى الشفافية، مما يترك المواطن أمام حالة من الحيرة والتساؤل. كيف يتم اختيار هؤلاء الوزراء؟ على أي أساس توضع الكفاءات المطلوبة؟ في العديد من الحالات، نجد أن من يتقلدون المناصب المهمة يفتقرون إلى الخبرة في القطاعات التي يُكلفون بإدارتها، أو أنهم يظهرون نتائج ضعيفة خلال فترات توليهم الوزارة. ورغم ذلك، قد يتم الإبقاء عليهم أو تعيينهم في حقائب أخرى، ما يُثير الشكوك حول جدية تقييم الأداء الوزاري.
اختيار شخصيات بدون سجل يثبت كفاءتهم
ليس غريبًا أن نرى عند تعيين وزير جديد، أن المواطن يلجأ إلى الإنترنت للبحث عن خلفيته المهنية، ليكتشف أن الوزير غير معروف أو لا يمتلك سجلًا يثبت كفاءته. بل إن بعض الوزراء لم يقدموا أي إسهامات فكرية أو أكاديمية في مجالاتهم؛ فلا مقالات، ولا دراسات، ولا كتب. هذا النقص يعكس ضعفًا في المعايير الأكاديمية والمهنية، ويعزز الشعور بأن الاختيار قد لا يكون مبنيًا على الكفاءة أو المعرفة العميقة، بل على اعتبارات أخرى غير موضوعية.
تضارب المصالح وسيطرة التعيينات الحزبية المستحدثة 
تزيد الاعتبارات الحزبية المستحدثة وغير الجدية الوضع تعقيدًا، حيث يبدو أن الانتماء الحزبي المستحدث ( اي الانتماء الجديد او الحزب بدون هوية) والغير جدي يلعب دورًا أساسيًا في تعيين الوزراء، مما يؤثر على نوعية الخيارات المتاحة. هذه الاعتبارات الحزبية المستحدثة تُبعد التركيز عن الكفاءة لتصبح المناصب الحكومية رهينة مجموعات وشبكات الضغط ، بدلًا من أن تكون في خدمة المصلحة العامة. النتيجة هي وزراء يشغلون مناصب استراتيجية دون القدرة على اتخاذ قرارات فعّالة، وقطاعات بأكملها تدار فعليًا من قِبل الإدارة البيروقراطية التي لا ترغب في التغيير ، فيما يقتصر دور بعض الوزراء على التواجد الرمزي دون أي إضافة حقيقية.
الاعتماد المفرط على مكاتب الدراسات وضعف الخبرة الاستراتيجية
تفاقم غياب الخبرة هذا بلجوء الوزراء إلى مكاتب الدراسات من أجل وضع خطط واستراتيجيات للعمل، وهي خطط تأتي غالبًا مفككة وغير متلائمة مع الواقع المغربي. ورغم الإنفاق الكبير على هذه الدراسات، نجد أن نتائجها تكون في معظم الحالات غير ناجحة، ما يعكس ضعف القدرة على تحليل الحاجات المحلية ووضع استراتيجيات فعّالة. الاعتماد على خبرات خارجية في رسم السياسات، بدلًا من إعداد كوادر وزارية مؤهلة، يُفقد الحكومة قدرتها على تقديم حلول واقعية.
ضعف النتائج مقارنةً بدول أخرى
لا يمكن تقييم الأداء الحكومي بمعزل عن النتائج المحققة. فعند مقارنة المغرب بدول أخرى في مؤشرات التنمية والنمو، تتضح الفجوة الكبيرة بل واتساعها من سنة الاخرى . هذا الفشل في تحقيق نتائج ملموسة يُعد دليلًا صارخًا على إخفاقات الحكومات المتتالية في تبني سياسات استراتيجية فعّالة. بينما تتقدم دول أخرى بخطوات سريعة في مجالات مثل التعليم، والصحة، والبنية التحتية، يبقى الأداء المغربي متواضعًا رغم الإمكانيات المتاحة، مما يُبرز فشل الاختيارات الوزارية والاستراتيجيات الحكومية المتبعة.
نحو معايير جديدة في التعيين الحكومي
إن مسار تعيين الوزراء في المغرب يتطلب إعادة نظر شاملة تُبنى على الكفاءة والتجربة، وتضمن الشفافية في عملية الاختيار، فالاستمرار في هذه المعايير الحالية التي تعتمد على توازنات سياسية ومصالح حزبية مستحدثة لن يؤدي سوى إلى استمرار ضعف الأداء الحكومي، وإلى إحباط المواطنين وتراجع الثقة في المؤسسات. يجب أن يكون هدف أي حكومة هو تحقيق التنمية المستدامة، وهذا يتطلب وزراء مؤهلين يُقدمون قيمة مضافة حقيقية بدلًا من أن يكونوا عائقًا أمام تقدم البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى