كتاب وآراء

الإرادة التشريعية لمشروع قانون الإثراء غير المشروع مكبّلة بمنطق الغنائم.

مشروع‭ ‬قانون‭ ‬الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬يثير‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الإشكالات‭ ‬القانونية،‭ ‬لأن‭ ‬المغزى‭ ‬منه‭ ‬يتعلق‭ ‬بموضوع‭ ‬يتعلق‭ ‬بالذمة‭ ‬المالية‭ ‬للسياسيين،‭ ‬فممارسة‭ ‬السياسة‭ ‬عمل‭ ‬شريف‭ ‬وواجب‭ ‬وتقلد‭ ‬المناصب‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬والمؤسسات‭ ‬السياسية‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأشخاص‭ ‬يمارسون‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬السياسات‭ ‬العمومية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يستوجب‭ ‬الإفصاح‭ ‬عن‭ ‬ذمتهم‭ ‬المالية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بيانات‭ ‬تكشف‭ ‬ذلك‭.‬
مشروع‭ ‬قانون‭ ‬الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬مرتبط‭ ‬أيضا‭ ‬بالتصريح‭ ‬عن‭ ‬الممتلكات‭ ، ‬فهناك‭ ‬فراغات‭ ‬قانونية‭ ‬خطيرة‭ ‬جدّا،‭ ‬وهناك‭ ‬تحايل‭ ‬على‭ ‬القانون،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬مرتبط‭ ‬بعملية‭ ‬تفويت‭ ‬الثروات‭ ‬لأسرهم‭ ‬وعائلاتهم‭.‬
مسألة‭ ‬التلكؤ‭ ‬في‭ ‬إصدار‮ ‬‭ ‬قانون‭ ‬الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬مجرّد‭ ‬تحايل‭ ‬ومحاولة‭ ‬الالتفاف‭ ‬على‭ ‬الموضوع،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬الحكومة‭ ‬الحالية‭. ‬ونحن‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الوجوه‭ ‬السياسية‭ ‬اغتنت‭ ‬بعدما‭ ‬تولّت‭ ‬المناصب‭ ‬المسؤولية،‭ ‬وأدارت‭ ‬دفة‭ ‬المؤسّسات‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭.‬
‮ ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬تواجده‭ ‬بالمؤسّسة‭ ‬التّشريعية‭ ‬بمثابة‭ ‬الحماية‭. ‬وهو‭ ‬تنصّل‭ ‬من‭ ‬أداء‭ ‬المسؤولية‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الخروقات‭ ‬التي‭ ‬تثار،‭ ‬والتي‭ ‬فجرتها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬ملفات‭ ‬سياسيين‭ ‬ونحوهم،‭ ‬بل‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬توبع‭ ‬بعد‭ ‬نهاية‭ ‬مساره‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬ذات‭ ‬طبيعة‭ ‬جنائية‭ ‬وجنحية،‭ ‬وفي‭ ‬قضايا‭ ‬إهدار‭ ‬المال‭ ‬العام‭.‬
‮ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬لمشروع‭ ‬قانون‭ ‬الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬مرتبط‭ ‬بشبكة‭ ‬علاقات‭ ‬قوية‭ ‬تدعم‭ ‬أصحاب‭ ‬الأموال‭ ‬والتّجار‭ ‬والأعيان‭ ‬ومن‭ ‬ينزلون‭ ‬بقوة‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬وغيرها‭. ‬ومسألة‭ ‬استبعاد‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬القانوني‭ ‬بدعوى‭ ‬تجويده‭ ‬يعني‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬من‭ ‬اعتبار‭ ‬استمرار‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع‭. ‬فالحكومة‭ ‬تحاول‭ ‬تتجه‭ ‬لترضية‭ ‬المنتفعين‭ ‬وعدم‭ ‬إثارة‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأعيان‭ ‬ونحوهم‭ ‬ينتمون‭ ‬للمؤسسة‭ ‬التشريعية‭. ‬وبالتالي‭ ‬اليوم‭ ‬نرى‭ ‬كيف‭ ‬يتم‭ ‬غض‭ ‬البصر‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬الأشخاص‭ ‬تتدخل‭ ‬فيها‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الأغلبية‭.‬
‮ ‬كما‭ ‬رأينا‭ ‬منطق‭ ‬الصفقات‭ ‬واستفادة‭ ‬هؤلاء‭ ‬منها،‭ ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬قضى‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الاستوزار‭ ‬وتقلّد‭ ‬مناصب‭ ‬أخرى،‭ ‬لينتهي‭ ‬باعتباره‭ ‬رجل‭ ‬أعمال،‭ ‬فما‭ ‬جناه‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬قضاها‭ ‬في‭ ‬السّلطة‭. ‬لأن‭ ‬بلوغ‭ ‬السّلطة‭ ‬موقع‭ ‬تستفيد‭ ‬هذه‭ ‬النّخب‭ ‬من‭ ‬تمريرات‭ ‬وامتيازات‭ ‬تشريعية‭. ‬والسلطة‭ ‬التشريعية‭ ‬اليوم‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬أو‭ ‬إثارة‭ ‬هذا‭ ‬النّص‭ ‬القانوين،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تتّجه‭ ‬فيه‭ ‬الدّولة‭ ‬لمحاربة‭ ‬الفساد‭ ‬والمفسدين‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬عديدة‭ ‬وصلوا‭ ‬إلى‭ ‬مناصب‭ ‬المسؤولية‭.‬
‮ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬يتعثر،‭ ‬فليست‭ ‬هناك‭ ‬أّي‭ ‬إدارة‭ ‬سياسية‭ ‬لدى‭ ‬الحكومة‭ ‬،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬مسألة‭ ‬التشريع‭ ‬تندرج‭ ‬في‭ ‬الحق‭ ‬التشريعي‭ ‬في‭ ‬البرلمان،‭ ‬وحتى‭ ‬الحكومة‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تجوّد‭ ‬هذا‭ ‬القانون،‭ ‬ومعها‭ ‬البرلمان،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الظرفية،‭ ‬وربما‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أولويات‭ ‬وترضيات‭ ‬حكومية،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬الفساد‭ ‬أثيرت‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬ولا‭ ‬تخدم‭ ‬الفئة‭ ‬المتحالفة‭ ‬في‭ ‬الأغلبية،‭ ‬فتصير‭ ‬الإرادة‭ ‬التشريعية‭ ‬مكبّلة‭ ‬بمنطق‭ ‬الغنائم‭.‬
في‭ ‬اعتقادي،‭ ‬أنه‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬تدار‭ ‬بنفس‭ ‬المنطق‭ ‬بغاية‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬ثروات‭ ‬البلد‭. ‬فليس‭ ‬هناك‭ ‬رغبة‭ ‬أمام‭ ‬الضّعف‭ ‬التشريعي‭ ‬ومنطق‭ ‬التّحالفات‭ ‬الحكومية‭ ‬ووجود‭ ‬أغلبية‭ ‬متناغمة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭. ‬فتجويد‭ ‬النص‭ ‬القانوني‭ ‬مجرد‭ ‬ادعاء‭ ‬فقط،‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬إدارة‭ ‬حقيقية‭ ‬لاستصدار‭ ‬النص‭ ‬القانوني‭ ‬للإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬المغرب‭.‬
“””الدكتور عصام لعروسي”””
مدير مختبر الدراسات الدستورية وتحليل الأزمات والسياسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى