
الطيب امكرود: “القداسة، آخر ورقة يلعبها التعريبيون”.
بعد نضال وكفاح غطى ستة عقود كاملة، من أجل إنصاف الأمازيغية في كل تجلياتها ، لغة وثقافة وهوية وحضارة وتاريخ وحقوق، وبعد تحقيق جملة مكاسب من قبل من كرسوا حياتهم للقضية الأمازيغية، وتماهي الدولة والشعب المغربيين مع تلك المطالب، والإستجابة لعدد منها، وفي صلبها إقرار اللغة الأمازيغية لغة رسمية للمغرب.
بعد كل ذلك، ورغم كل ما بذل ويبذل، يصر التعريبيون، قوميين وإسلاميين، كل ما بدا لهم أن المغرب اختار مسار المصالحة الكاملة مع الذات المغربية الأصيلة، يصرون على رمي بعض الرماد في عيون من لا يزال يثق بأراجيفهم ويصفق لها، ويواصل النقر على وتر العروبة والوطن العربي والعالم العربي والوحدة العربية التي لا تعدو أن تكون بضائع انتهت صلاحيتها بانتهاء كل الأنظمة الشمولية القومية في المنطقة.
ولأن اليسار القومي والإسلام السياسي وجهان لعملة واحدة، ينقر تجار الدين على وتر آخر لمواصلة ما بدأه القوميون، أي مشروع تعريب شعوب المنطقة. وحيث إن السلاح والقوة والمال لم تجد نفعا، اختار الإسلاميون سلاح الخرافة.
كي يقنع الإسلاميون الناس بجدوى العربية، يوظفون سلاح القداسة، فرغم غياب أي نص قطعي يحسم في الأمر، يحارب الإسلاميون الأمازيغية بادعاء قداسة العربية، وبأنها اللغة التي فضلها الله، بحجة أن القرآن أنزل بها، وبأنها اللغة التي سيتكلمها الناس في الجنة.
إن ما يخفيه المتأسلمون عن مريديهم وأتباعهم أن اختلاف الألسن والألوان آية من آيات الله، حسب منطوق القرآن نفسه، وأن تعدد الشعوب والقبائل قرار إلهي، وأن الأصلح ليس هو العربي أو غيره، بل الأتقى والأنقى أخلاقا وقيما، وأن كل رسول يخاطب قومه بلسانهم، فخاطري داوود وموسى بني إسرائيل بالعبرية، وخاطب عيسى المسيحيين بالآرامية، ليخاطب محمد قومه بلسانهم.
واللسان الذي خاطب به محمد قومه هو لسانهم ليفهموه، فلا يمكن أن يخاطبهم إلا به، وهو في الآن نفسه لسان الشيعة والسنة والمسيحيين واليهود والدروز والبهائيين والملحدين والربوبيين واللادينيين ووو، بعبارة أشمل لسان ككل الألسن البشرية، يدعي من يدعي أنه التربة والأفصح والأصلح والأكثر مفردات والأجمل…، فقط لاستغفال ضعاف العقول والبسطاء من الناس.
فليدلنا من يدعي كل ما ذكر على نص يفيد ذلك، وليحلنا على منهج علمي لقياس عدد مفردات لغة ما، ومتى وأين ومن قبل من تم ذلك، وليرينا مقاييس قياس جمال اللغة، وكيف قارنها مع كل لغات سكان العالم، وهل يتقن كل تلك اللغات، ليحسم في أن العربية هي تلك اللغة المقدسة والأفصح والأجمل ، لغة الله وآدم ويوم القيامة.
إن ما يرددها البعض اليوم للتنقيص من اللغة الأمازيغية، وتبخيسها وتحقيرها في أعين أبنائها لتركها واعتناق العروبة، مجرد مشروع سياسي شيطاني للإسلاميين ، يتماهى كلية مع ما قام به القوميون طيلة عقود مسنودين بأنظمة البعث التي انتهت كلها في مزبلة التاريخ.



