كتاب وآراء
المغرب الخلفي : هذا الذي يجرنا الى الخلف !!!!
قرأت قديما قولة كان لها علي وقع السحر في فهمي للسياحة و الأسفار :
وانت داخل الى المكسيك لا تعتقد ان تجد كل المكسيكيين يضعون فوق رؤوسهم “الشابو” المكسيكي المشهور!!!
فمؤسسات الأسفار، وحملات الدعاية الرسمية للبلدان، تحاول دوما ان تروج لبلادها بما تتميز به عن باقي البلدان، والسائح المشحون بتلك الصور المميزة التي تستهويه مشاهدتها، لا يجدها في البلد الذي يذهب اليه، او على الاقل لا يجدها في مدنه الكبرى ولا عند عامة ساكنتها…
المغرب لا يخرج عن هذه القاعدة فمدنه لا تعكس طبيعة الصور التي تروج للمغرب،لأن عالمه القروي الذي لا يزوره الا قليل من السياح هو الذي تجد فيه المغرب الذي يقدم في الاشهارات.
وبعيدا عن السياحة،وقريبا من صورتنا التي نرسمها عن انفسنا، فكلما جلت بين الكتب او في العالم الافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعي، أقرأ كتابا واعاين أشرطة من قنوات فرنسية تبرز مغرب بداية القرن الماضي، حيث زمن “البون “و الساكنة تجر جلابيبها في الاسواق وتركب البهائم، واطفال بحلاقة عجيبة، و نساء خشنات في لباس خشن و على ظهورهن رضع …
وأقرأ عن مغرب الغرائب و الجهل و العرف و احكام القبيلة،وسلطة الجوع وبطش الباشا و رقصات الاعراس و تكافل الأسر عند الحزن و مدارس حفظ القرآن و هبة الفقيه و طهارة و حشمة المرأة ….
في مغرب اليوم،مغرب” تيجيفي” و القطارات و الطائرات و السفن والبواخر وصناعة السيارات و ركوب اليختات، والسكن في العمارات وناطحات السحاب والابراج والمنتجعات حيث” الرياضات” والفيلات …
مغرب المؤسسات و الهيئات و الأمن و النظام و الإدارة و القضاء و التعليم و الصحة …
مدننا تعكس بالفعل حجم تقدم المغرب،و حجم انخراطه في دينامية اقتصادية عصرية و متطورة، اصبح له السبق في لغة العصر لغة الفوسفاط و الطاقات المتجددة و خيرات المحيطات و كنوز جوف الارض من ذهب وفضة ….
لكن مغربنا يدير وجهه عن مغربه الخلفي،وهكذا اسميه : المغرب الخلفي،وليس المغرب العميق،خلفي لانه منا ولكن عجزنا ان نجعله يلحق بركب مدن تعكس تقدمنا ، فأصبح خلفنا وتخلفنا !!!
لازالت الاسواق الأسبوعية بنفس نمطها قبل قرن،كل ما اختلفت فيه هو استعمال مكبرات الصوت عند تجار دواء البرغوت !!! فيبدو ان البرغوت لا زال يعشش في اجسام الانسان و البهيمة في قرى بلادي،اطفال تخلوا عن حلاقتهم العجيبة،لكنهم يلفون اجسامهم باقمصة ميسي وكريستيانو، و المنتخب الوطني،نساء تخلين عن “الحايك”،ولبسن الجلباب بوجه مكشوف ويتنافسن مع الرجال في البيع و الشراء،انزلت الدولة البرامج تلو البرامج فربطت الدواوير بالماء والكهرباء و مستوصفات بين مفتوحة ومغلقة ومدارس بين قريبة و بعيدة ….
ورغم ذلك التغيير فلازالوا في صورهم و حركتهم هم نفس المغاربة الذين يلجون نفس الاسواق قبل مائة عام، لم تتغير العقلية كثيرا،ومهما تغير اللباس لا زالت سلطة الجهل و الشيخ و القائد و “الجدارمية” هي الطاغية .
هذا المغرب يحتاج منا قرنا آخر كي نحوله الى ما يشبه مدننا ،وإلى أن يأتي ذلك اليوم فالهجرة القروية الى المدن ستزداد،وتكون نتائجها هو “ترييف” المدن .
ترييف جعل القرويين يلتحقون بالمدن على دوابهم ويستعملونها كمصدر لقوت يومهم ،فهذا بحماره وآخر ببغله وآخر بجمله وناقته يطارد بها السواح على الشواطئ ،وآخر بقطيع اغنامه في محيط المدن و في قلبها احيانا .
ماذا لو بادرت الدولة إلى توجيه اموال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية نحو إحداث اسواق اسبوعية مشيدة مكان الساحات التي تحتضن اسواق البوادي ؟
وماذا لو فكرت وزارة السياحة في تخصيص أنوية لفنادق ومراكز ايواء في مجموع القرى حتى يتمكن السواح من زيارتها، مع الاستعانة ببرامج تشجيعية للقطاع الخاص ؟
ماذا لو احدثنا مراكز للتكوين المهني في القرى بنظام تعليمي جهوي مختلف عن الوطني يأخد بعين الاعتبار التركيبة الاجتماعية والذهنية للساكنة ؟
لنبدع في تقليص الفوارق بين مغرب المدن والمغرب الخلفي.
لنبدع في ان نكون مغاربة سواسية في الحقوق و فرص العيش و الحق في التنمية .
لنبدع في تحقيق عدالة مجالية تجعل المغرب فعلا مغربا واحدا براية واحدة وملك واحد و دستور واحد .
فهل تعتبرون ؟
بقلم الدكتور سيدي علي ماءالعينين.