دراسة تعري واقع الفساد بالمغرب وتكشف أبرز بؤر تفشيه.
عرَّت دراسة حديثة للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها واقع الفساد بالمغرب، وذلك في إطار البحث الوطني حول الفساد المنجز من طرف الهيئة.
واستعانت الهيئة في هذه الدراسة بحوالي 1100 مقاولة خاصة لقياس مدى انتشار ومتابعة تطور ظاهرة الفساد، حيث تعتبر 68 في المائة من المقاولات المعنية أن الفساد منتشر أو منتشر جدا بالمغرب، عكس 8 في المائة التي لا تعتقد ذلك.
وأجمعت هذه المقاولات على أن الرخص والمأذونيات والتراخيص والصفقات والتوظيف، هي المجالات الأكثر عرضة للفساد مقارنة بغيرها من المجالات الأخرى.
واعتبرت المقاولات التي شملتها الدراسة أن الحصول على التراخيص والمأذونيات (الكريمات) والرخص الاستثنائية هي أول بؤرة يأتي منها الفساد، بنسبة 57 في المائة، تليها الصفقات والمشتريات العمومية (51 في المائة)، بعدها يأتي التوظيف أو التعيين والترقية في القطاع الخاص بنسبة 50 في المائة.
ومن جهة أخرى، اعتبر ذات المصدر أن الدعم المقدم من طرف الدولة للشركات والمقاولات الخاصة يشكل وجها آخر للفساد، بنسبة 42 في المائة، في حين تمثل المشتريات والتموين في القطاع الخاص بوابة ثانية للفساد بنسبة 28 في المائة.
وفي سياق متصل، بينت نتائج الدراسة أن 23 في المائة من المقاولات صرحت بأنها تعرضت لشكل من أشكال الفساد خلال الأشهر 12 الماضية، في حين قالت 6 في المائة من المقاولات أنها تعرضت للفساد بشكل من أشكاله، وأن 3 في المائة فقط بلغت عنه حين تعرضت له.
الخلاصات:
سجلت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها في خلاصاتها أن غياب فعالية تقديم الشكايات والاستهانة بالفساد والخوف من عواقبه السلبية على المقاولة، من بين الأسباب وراء ضعف شكايات وتبليغات المقاولات التي تم استطلاع آرائها.
وأفادت الهيئة بأن 75 في المائة من هذه المقاولات لم تبلغ عن الفساد الذي تعرضت له، فيما أكدت 75 في المائة منها أنها لم ترفع شكاية بخصوص ما تعرضت له.
وأظهرت النتائج أن الوصول إلى خدمة ما هو السبب الأول لانتشار ظاهرة الفساد، إذ يتم اللجوء إليه للاستفادة من خدمة للمواطن أو المقاولة، وأيضا لتسريع الإجراءات أو الاستفادة من معاملة تفضيلية، أو لإنجاز إجراء أو تجاوز إجراءات إدارية، أو للحصول على قرار أو حكم إيجابي.
دعوات لتبني مقاربة جديدة لمحاربة الفساد
دعا محمد بشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، إلى تغيير المقاربة المتعلقة بمحاربة الفساد وتبني دينامية جديدة تستند إلى رؤية واضحة وطموحة.
وأفاد الراشدي، ضمن رسالة للهيئة بمناسبة إصدار نتائج دراستها حول ظاهرة الفساد، بأن هذه الدينامية الجديدة يجب تنزيلها بما يضمن نتائجا وآثارا ملموسة على المدى القصير، معتبرا أن هذا شرط لا محيد عنه لاستعادة الثقة وضمان تحقيق التعبئة الشاملة في محاربة الفساد.
وشدد ذات المتحدث على أن المقاربة الجديدة يجب أن تكون “شاملة لتستجيب للتعقيدات التي تكتنف هذه الظاهرة وتجلياتها”، مضيفا أنه “لا يمكن للمواطنين والفاعلين الاقتصاديين، وخاصة الأكثر هشاشة، أن يقبلوا بهذه المفارقة وأن يتقبلوا وضعا يحرمهم من حقهم في فرص الازدهار المهمة، في ظل العدالة والتنمية المستدامتين للجميع”.
وفي سياق متصل، أكد الراشدي في رسالته على “ضرورة اعتماد مقاربات ملائمة لكل مجال ولكل فئة مستهدفة، بمن فيهم المواطنين والمرتفقين وعالم الأعمال والمجال السياسي والفاعلين العموميين”، بالإضافة إلى “مجالات التشريع والعدالة وإنفاذ القانون، مع مواكبة كل ذلك بتعميق المعرفة الموضوعية بهذه الظاهرة، وبالابتكار والتحول الرقمي”.
2024 : نقطة تحول عميق في محاربة الفساد بالمغرب:
أفاد رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها بأن هناك أملا في جعل سنة 2024 نقطة تحول عميق يسير نحو حقبة جديدة في مجال الوقاية من الفساد ومحاربته.
وأكد الراشيدي أن المغرب يمتلك منظور دقة وتحليل السياسات العمومية، وهي مكتسبات في حاجة إلى تعزيزها من أجل المضي قدما في المسار الصحيح.
وأضاف ذات المتحدث أن المملكة تتوفر على مقاربة استراتيجية من الجيل الجديد تتحدى فيها التوجهات على المدى البعيد وترصد الأولويات لتحقيق النتائج المرجوة على المدى القصير.