تمازيغت

ذ. محمد بادرة:”كل عـــام وانتــــم امـــــازيغ”.

الامازيغية هوية جماعية بعمق تاريخي وكلية حضارية
عرف الامازيغ بحبهم وارتباطهم بالأرض حتى ان الاساطير والحكايات التي تروى عن الامازيغ القدامى كانت حافلة بأسماء الطبيعة من الارض والهواء والسماء والرطوبة والماء كما انها غنية بالاستعارات والكنايات والصور المجازية عن مشاعر الانسان الامازيغي تجاه ارضه وموطنه واصله وبيئته (اسطورة حمو اونامير مثالا) اما الاحتفال براس السنة الامازيغية فما هو الا نظام زمني من صنع البيئة والطبيعة يبتدأ من اول ليلة من السنة الفلاحية (12يناير بالتقويم الميلادي) وتقام فيه حفلة او طقوس احتفالية  بتهيئ اكلة من نتاج ما جادت به الارض للإنسان شعيرا كان او ذرة (تاكلا – ءيض –ن- يناير).
واستنادا الى بعض الروايات والمؤلفات التاريخية القديمة نقرا ان الملك “شيشونغ” اعلن الولاء للإرث الامازيغي فبدا معه التقويم الرسمي للأمازيغ سنة 950 ق.م وبهذا احيي “شيشونغ” تنصيب نفسه ملكا على عرش مصر في ارض النيل بإحياء تلك الليلة على شرف زعماء القبائل الامازيغية في ذلك الزمان وقدم لهم اكلة (تاكلا)علامة على استمرار الحضارة الامازيغية من خلال عاداتها وطقوس احتفالها براس السنة الامازيغية ومنذ ذلك التاريخ بدا الاحتفال براس السنة الامازيغية تزامنا مع خصوبة الارض والطبيعة في شهر يناير الفلاحي.
هذه الطقوس الاحتفالية براس السنة الامازيغية عند السكان الامازيغ الاصليين هي حقيقة وجودهم التاريخي والثقافي وليس بخرافة او شعوذة بل ان هذه الطقوس الاحتفالية هي تسجيل امين للبيئة التي انتجته وفيها محاكاة للبيئة الامازيغية الاصلية كما انها مرأة صادقة للوجدان الجمعي وتعبير تلقائي عن الذات الفردية والجماعية وفرحة واعية بالحياة والاستمرار في العطاء.
هذه الطقوس الاحتفالية براس السنة الامازيغية تفتح لنا واجهة عن الوجه الثقافي الخفي والمعلن لهوية الامازيغ حيث انه لا يمكن بتاتا الحديث عن هوية مفرغة من المضمون الثقافي بمعناه المعرفي والانثروبولوجي والثقافة الامازيغية هي احد اكبر العوامل التي تدفع الفرد الى اكتساب هذه الهوية والترابط القائم بين الهوية والثقافة هو من اشد الروابط قوة وتحكما في صياغة خصوصيات الكائن الانساني في الزمان والمكان لذلك كثيرا ما تستعمل الصيغة الاسنادية التالية (الهوية الثقافية) وهي الصيغة المتداولة على نطاق واسع بينما لا نتحدث بنفس الدرجة من التداول الواسع عن الهوية اللغوية او الهوية الدينية.
ان طرح اسئلة الهوية والهوية الثقافية داخل مجتمعنا لا يعني بالضرورة انفضاض ارادة العيش المشترك بيننا وبين الاثنيات والعرقيات الاخرى او انطلاق مسلسل تفكيك الوحدة بين المغاربة عربا وامازيغ بفضل قناعة المغاربة كلهم ان وحدتهم الوطنية تحظى بالأولوية على كل التوزعات الفئوية والاثنية.
ان طرح اسئلة الانتماء الهوياتي هو من اجل تدشين استراتيجية فكرية علمية لا تستلذ بالمطارحات الجدالية المتعالية عن الواقع والمغرقة في النزعة النرجسية او الشوفينية بل تميل بالأحرى الى تجديد طرح الاسئلة من زاوية الايمان بالجدوى التاريخية والمعرفية والحضارية لمنطق المساءلة عن تاريخنا وثقافتنا ولغتنا مع مقاربة جديدة لمفهوم هويتنا الثقافية واللغوية في حدود الخصوصية والاختلاف في بعديهما الفردي والجماعي.
هل الامازيغية افق ثقافي حضاري ام جدر عرقي ؟
هل الامازيغية فضاء للاندماج التاريخي المفتوح ام مجرد شجرة من النسب الدموي المحدد؟
هل هويتنا الامازيغية هوية تاريخية_ حضارية ذات خصوصية ثقافية ولغوية وقيمية ؟ ام هوية متصدعة ضعيفة الصلة بأسلافنا وحضارتهم ومهددة بالانعزال والتلاشي والذوبان ؟
في السنوات الاخيرة استنفدنا الكثير من المطارحات الجدالية حول سؤال الهوية ولكن يبقى هذا السؤال حول الهوية انشغالا وطنيا وثقافيا وسياسيا بامتياز وهي قضية متجذرة وبؤرة اشكالية اساسية في كل المشاريع الثقافية والفكرية والاجتماعية بشكل عام وذلك لان التحديات التاريخية اليوم تدعونا الى اعادة الصياغة التقليدية لسؤال الهوية: من نحن بالمقارنة مع الاخر /  عرب_ غرب؟ وما هو موقفنا من الهوية الفردية (الانا) والهوية الجماعية (نحن) وماهي كفاءتنا في التعاطي مع التحديات العالمية الجديدة حتى نتجنب الاقصاء والالغاء والتهميش؟.
 هذه الاسئلة وغيرها ترتبط بالإشكالية الهوياتية للامازيغ ورغم صعوبة القول ببراءة وموضوعية هذه الاسئلة الا أن اهميتها تكمن في كونها تؤطر مجمل الخلفيات النظرية المرتبطة بإشكالية الهوية الثقافية في الخطاب المتدفق عبر الكتابات الثقافية والسياسية والدينية وبالجدالات الصحفية التي تحصل بين المثقفين ونشطاء الحركة الامازيغية.
ان الصورة الصارخة عن حالتنا في مغرب اليوم هو وجود هذا الانفصال الذي يشير اليه الدكتور علي اومليل وقبله مؤرخنا الجليل محمد المختار السوسي حيث ان تاريخ المغرب بقي الى درجة كبيرة تاريخ العقيدة المغربية وليس تاريخ المعرفة والثقافة الوطنية المتعددة والمتنوعة وهكذا ظل كتابة تاريخ متعدد للذاكرة الجماعية (الهويات المتعددة) غائبا بل محرما حيث ما نزال لم نكتب تاريخ الدولة المغربية وكرونولوجيتها مع تاريخ المعرفة والمجتمع للأنسية المغربية.
ولما جاء الاستعمار الفرنسي “تفتق” ذكاؤه ووضع صيغة استعمارية بديلة تمثلت في الاستعمار الثقافي الذي راهن على ابقاء المغرب مستعمرة في وضعية التبعية اللغوية والثقافية ضمن استراتيجية الالحاق مع اضفاء الطابع المؤسساتي على هذا النوع من التبعية ساعيا الى فسخ ميثاق الوحدة الوطنية بين القبائل المغربية وعموم افراد الشعب المغربي وقوى الحركة الوطنية والمقاومة وكل القوى والتيارات والفئات جسدت رابطة الوحدة بينها امازيغ وعربا وزنوجا. (الاستعمار يريدها هوية تبعية “مفرنسة” والمقاومة تريدها هوية ندية صدامية مع المحتل).
الاطروحة الاستعمارية الفرنسية كانت ترمي الى الفصل بين مكونات الهوية الحضارية للمغرب وذلك بالتشويش على شفرة الهوية الامازيغية (ظهير 16 ماي 1930) وتوظيف معطيات ثقافية وانتروبولوجية وتاريخية لمسح واخصاء والغاء مطلق للمرجعيات التاريخية والتراثية والدينية والاجتماعية  المغربية من قبيل ان :
الامازيغ هم من اصول اوربية _ و اصول “حامية” _ ومن جنس متوسطي (نسبة الى البحر الابيض المتوسط).
فهذا بوسكي في كتيبه حول الامازيغ Bousquet-Les Berbèères que sais-je ? يبرز النظرة الاستعمارية للسكان الاصليين في المغرب الكبير مؤكدا عدم نجاح الامازيغ عبر تاريخهم الطويل في تأسيس دولة مستقلة ذات حضارة متميزة بالرغم من بعض المحاولات القليلة خاصة في المغرب الاقصى.. وتاريخهم حسب المؤلف تاريخ هيمنة اجنبية مستمرة ولم يكن تاريخا موحدا. فالأمازيغ في رأيه مجزؤون دائما على غرار ارضهم ولا يتوفرون على شعور بالوحدة الوطنية ويرى ان الغزو الفينيقي هو الذي ادخل منطقتهم في التاريخ اما الامبراطوريات الاسلامية (المرابطون – الموحدون ) التي ظهرت في المغرب فلم تترك اي شيء يميز الامازيغ. ان بلاد تامازغا (اي بلاد الامازيغ ) هي المنطقة الاكثر تخلفا في حوض البحر الابيض المتوسط .. فهي بلاد المتوحشين البيضان) – بوسكي ص 120
هذا السياق الاستعماري التغريبي المهدد للهوية الوطنية يوازيه منطق اخر عروبي – قومي يحاول ان يبرز مركزية الجزيرة العربية وانها اصل الهجرات والحضارات والانواع البشرية ويستخلص من بعض الروايات التاريخية التي يستند اليها هذا التيار:
– ان  هجرات متواصلة انطلقت من الجزيرة العربية ووصلت الى شمال افريقيا مما سمح باختلاط الانواع وامتزاجها في المستوى الثقافي واللغوي ..
– انه يعود وصول جماعات الامازيغ الاولى الى شمال افريقيا الى الالف الرابعة قبل الميلاد.
– ان الامازيغ (البربر – كما ينعتونهم ) ما هم الا فرع كبير من تلك الشعوب العربية القديمة انتقلت الى المغرب على مراحل وانعزل فيه.
ان القاسم المشترك بين كلا التوجهين هو تمثل افق الهوية في ضوء مقياس مفارق من الناحية التاريخية فالتيار الاول يتمثل الهوية في المكون الثقافي بدعوى اختلاف الهويات الموجودة (عربي _ امازيغي _ افريقي ) لتدجين الانسان المغربي عبر اتلاف هويته والغاء خصوصياته الثقافية والدينية والحضارية والتيار الثاني يقيس العباد والبلاد بمقاييس اللغة والدين فيحول اللغة الى دين والدين الى لغة (هوية عروبية) تستند الى شرعية العنف والالغاء.
فكيف اذن الوصول الى هوية جماعية بعمق تاريخي وكلية حضارية لا تقصي ولا تلغي الخصوصية؟ وكيف الوصول الى تحرير المعرفة الوطنية من التحكم والاقصاء والتدجين والقولبة والمشابهة؟ وكيف يمكن النهوض بالمسالة الامازيغية بعيدا عن ايديولوجيا التفوق او ايديولوجيا الاحتواء او أيديولوجية الصدام؟ وهل يجب اعادة بناء مفهوم التعددية الثقافية على اسس جديدة او على اساس الوحدة دون المغايرة ؟
يمكننا ان نستعير عبارة مشهورة لهربرت ماركوز وهو ان ننجز في الحقل الثقافي المغربي (طفرة الاختلاف الكيفي) بمعنى ان نجعل من جميع اشكال الممارسات الثقافية المختلفة كيفيا تسجل حضورها كبنيات معرفية تنتمي الى هذا الوطن وبعبارة اخرى (يوتوبيات اجتماعية كانت قد اقصيت من التاريخ المغربي).
ان المشروع المجتمعي القائم على الوحدة والمغايرة يعتبران كل المجالات الثقافية المحلية تعبر عن روح وطنية لا غبار عليها (وليس التجزئة) بل ان الوطن في شكله المؤسساتي الديموقراطي العصري لن يستمد قوته ومناعته الحضارية الا بإنجاز هذه الحقوق اللغوية والثقافية التي لا تضمنها فقط المواثيق الدولية بل وتعتبر شرطا ابستمولوجيا من شروط المفهوم الديموقراطي.
ان هويتنا لا يمكنها ان تتحول الى وحدة قياس انسانية وحضارية خصبة ومنتجة الا اذا كانت تتغدى من عمقها التاريخي وتكون لها القدرة على استيعاب الخصوصيات الثقافية والحضارية للذات الفردية والجماعية.
ان الامازيغية كهوية استطاعت ان تجمع وتوحد وتستدخل كل الموروث المتعدد وتبني المشترك بينها وبين الثقافات والحضارات الاخرى فأسست لمفهوم هوية مركب ومثقل بدلالات حضارية وثقافية وانسانية غنية وواسعة واستحقت ان تكون هوية جماعية بعمق تاريخي وكلية حضارية.
كل عام وانتم امازيغ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى