رسالة من أستاذ إلى تلاميذه بعد الإضرابات.
ابني العزيز قد زاد الشوق إليك. ان القلب ليحزن على فراقك و انا لم اغادر الفصل منذ ثلاثين سنة، و لكن ما باليد حيلة، فليس لنا من سلاح في وجه الحكومة و النظام الاساسي الا ان نضحي بالتلميذ. لعل الالم يكبر في قلب استاذ مخضرم مثلي قد تلقى تعليمه من معلمي الجيل الذهبي للتعليم المغربي العظيم، حين كان من افضل الانظمة في العالم. لقد انجب المعلم المغربي نوابغ موسوعيين قل نظيرهم من امثال المهدي المنجرة و عبد الله كنون و غيرهم الكثير من اعلام هذا الوطن الحبيب. كان المعلم مكرما بين الناس و كان مهنة التدريس من ارقى المهن، الا ان قرر بعضهم تغيير هذا الوضع. فمرورا بسياسة التعريب التي همت السلك الاولي و الثانوي دون العالي، فكانت النتيجة تلك الصدمة التي يواجهها الطالب في الجامعات حين يجد المناهج باللغة الفرنسية و هو الذي لم يتعلم منها شيئا. ثم قانون 2003 و الاساتذة المتعاقدين الى ان وصلنا الى حافة الجرف مع القانون الاساسي. فكل حكومة تضع رؤيتها لفترة ولايتها ثم تأتي التي بعدها لتلغي ما تقرر و تبدأ من جديد و كأن التعليم حقل تجارب تتجاذبه الرؤى السياسية. فكانت النتيجة اضعاف المنهج و قهر الاستاذ.
ابني العزيز، ان التعليم مسألة مصيرية. فكل الدول التي تقدمت انما كان رقيها بالتعليم. فسنغافورة صنعت من بلد يملاه الباعوض و لا يجمع اهله لغة و لا عرق، واحدا من ارقى دول العالم و اعلاها دخلا. فهذا البلد وضع خطة بعيدة الامد و انفق كل مداخيل الدولة على تعليمه.
ان للتعليم رجاله، فالسيد بنموسى هو واحد من عقول البلد التقنية، لكن العمل في وزارة الداخلية و ضبط الامن لا يتوافق مع القضية التعليمية. ان لكل فن اهله و السيد بنموسى قد كان رئيسا للجنة النموذج التنموي و قد جال المغرب و العالم و التقى بعدد من العقول المغربية في هذا المجال، فكان الاولى تقديم اهل الاختصاص لصياغة رؤية مغربية لتعليم معاصر، يحترم الحمولة الثقافية المغربية و يعطي للاستاذ قدره و يجعل التلميذ محور المنظومة التعليمية.
للاسف يا بني، فقد زاد الاستاذ فقرا و تدهورت المدرسة العمومية ما فسح المجال لتناسل التعليم الخاص الذي كان و لوقت قريب ملجأ الفاشلين. لقد تحول التعليم الى تجارة مربحة و فقد التعليم العمومي بريقه.
عذرا حبيبي التلميذ، فأنت على ابواب سنة بيضاء اخرى، و أنت الحلقة الاضعف في هذا الصراع. فإن استمر الاضراب، فستكون الزبون القادم للمدارس الخاصة، و ان كنت فقيرا كمعلمك، فلا حظ لك في التعليم في مغرب القرن الواحد والعشرين.