كتاب وآراء

سعيد الكحل: “التكفير والتحريض على الكراهية أخطر منابع الإرهاب وجب تجريمهما”.

إن وتيرة تفكيك الخلايا الإرهابية في المغرب، وإفشال مخططاتها الإجرامية التي تستهدف أمن المواطنين وسلامتهم الجسدية، رغم الجهود الأمنية الجبارة التي تبذلها الأجهزة بمختلف تخصصاتها، تطرح أكثر من علامة استفهام حول جدوى المقاربة الشمولية التي تنهجها الدولة منذ التفجيرات الإرهابية ليلة 16 ماي 2003. ذلك أن المفروض هو أن تنخفض الوتيرة إلى حدود “الصفر” انسجاما مع المؤشر العالمي للإرهاب لسنة 2024، الذي يصنف المغرب في خانة الدول “المنعدمة التأثير”، أي التي لا تواجه خطر الإرهاب. لا شك أنه تصنيف مشرّف للأجهزة الأمنية التي تمكّنت من تفكيك 215 خلية إرهابية وإجهاض أكثر من 500 مخطط تخريبي منذ 2002 إلى حدود ماي 2023، وفق تقرير “منجزات وزارة الداخلية” برسم السنة المالية 2023. واستنادا إلى تقرير النيابة العامة لسنة 2020، فإن المغرب أحبط 126 عملية إرهابية خلال سنة 2020، وأن عدد من مثلوا أمام القضاء خلال 2020، بلغ 165 مشتبها به، مقارنة بـ 358 شخصا خلال عام 2019. بينما كشفت الدراسة التي نشرها معهد كارنيجي الأمريكي، فبراير 2019، أن السلطات المغربية أوقفت بين العامين 2002 و2018 أكثر من 3000 متشدد مشتبه بهم، وجرى تفكيك 186 خلية ارهابية، منها 65 خلية مرتبطة بداعش. كما اعتقلت المصالح الامنية يوم الأربعاء 26 يوليوز 2023، خمسين شخصا (50) للاشتباه في انتمائهم لتيارات متطرفة بعدد من المدن المغربية. وهذا رقم خطير قياسا إلى حجم الدمار والدماء التي كان يمكن سفكها، لا قدر الله، لو تمكّن الإرهابيون من تنفيذ مخططهم الإجرامي. إذن أين يكمن الخلل؟ جهود أمنية جبارة يوازيها تناسل الخلايا الإرهابية.
اختلال المقاربة الدينية والقانونية.
لا جدال أن النجاحات التي تحققها الأجهزة الأمنية في التصدي لخطر الإرهاب عبر رصد وتفكيك خلاياه، هي ما يضمن أمن المغرب وسلامة المواطنين. إلا أن التركيز على المقاربة الأمنية وحدها في محاربة الإرهاب لا يمكن أن يحدّ من تناسل الخلايا الإرهابية فأحرى إنهاءه. ذلك أن المقاربة الأمنية ينحصر دورها في معالجة نتائج فقه التكفير وفتاوى التحريض على الكراهية والقتل التي توفر بيئة فكرية ونفسية مهيأة لتلقي تلك عقائد التطرف وخلق ميولات ممارسة الإرهاب. لهذا لا يمكن محاربة الإرهاب والقضاء على خلاياه في الوقت الذي يتمتع فيه شيوخ التطرف ودعاة الكراهية، بكامل الحرية في نشر وترويج فقه التكفير وفتاوى القتل عبر المنصات الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي. فضلا عن تجنيد تنظيمات الإسلام السياسي لخطبائها وقياداتها للتحريض ضد مؤسسات الدولة وقوانينها ورموزها عبر توزيع الاتهامات بمحاربة الدين وتخريب المجتمع وتفكيك الأسرة. وقد تعالت أصوات الكراهية واشتد أوّارُ التكفيريين مع دعوة جلالة الملك إلى مراجعة مدونة الأسرة، وقبلها قرار استئناف العلاقات مع إسرائيل، ثم أحداث غزة التي استغلتها تنظيمات الإسلام السياسي لتصفية حسابها مع النظام والقوى الديمقراطية والحداثية.  
أما المقاربة الدينية فظلت محدودة الجدوى والفاعلية لأنها لم تتصدّ لمنابع التكفير والترويج لخطاب الكراهية، خصوصا وأن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بمجالسها العلمية هي المسؤولة عن مراقبة الخطاب الديني وضبط مصادر الفتوى. فالحقل الديني اليوم، بات يعرف نفس مظاهر التسيب التي عرفها قبل 2003، والتي أدت إلى التفجيرات الإرهابية بالدار البيضاء. ولولا اليقظة الأمنية لشهد المغرب تفجيرات أخطر وأكثر دموية (نموذج خلية تمارة التي تم تفكيكها سنة 2020، وبحوزتها أحزمة متفجرة وعدّة مكوّنات كيميائية تتيح صنع متفجرات، بينها ثلاثة كيلوغرامات من نيترات الأمونيوم، إضافة إلى معدّات الكترونية وأقنعة وأسلحة بيضاء، ثم خلية حد السوالم وحجم كميات المواد الكيماوية التي تدخل في صنع المتفجرات). وقد كشفت الدراسة التي نشرها معهد كارنيجي الأمريكي، فبراير 2019، عن بعض أوجه الاختلال الذي تعرفه المقاربة الدينية، ويتمثل في حالات العود في صفوف السجناء الجهاديين؛ إذ من ضمن الموقوفين بتهم إرهابية خلال الفترة ما بين 2003 و2018، تم تسجيل حوالي 220 حالة عود (نموذج خلية شمهروش التي من ضمنها ثلاثة عناصر سبق أن تم توقيفهم في وقت سابق، بينهم أمير الجماعة عبد الصمد الجود، الذي حكم عليه بالسجن أربع سنوات في العام 2014 بتهمة محاولة الالتحاق بتنظيم داعش في سوريا)، بالإضافة إلى أن 1300 مغربي غادروا البلاد، للقتال في سوريا.
أما المقاربة القانونية، سواء فيما يخص القانون الجنائي أو قانون الإرهاب أو قانون 03.03 المتعلق مكافحة الإرهاب، فلم تنص على أي عقوبة فيما يخص التكفير والتحريض ضد مؤسسات الدولة والأحزاب والجمعيات والمثقفين. الأمر الذي يستغله دعاة التطرف لنشر فتاواهم ونفث عقائدهم على نطاق واسع دون أدنى متابعة قضائية. ولا شك أن التساهل مع دعاة التكفير والكراهية هو الذي يزيد منسوب تدفق المنابع الفكرية للإرهاب ويحُول دون تجفيفها؛ الأمر الذي يفسر استمرار تَشكّل الخلايا الإرهابية بوتيرة مرتفعة منذ 2003 إلى اليوم.
تجفيف المنابع الفكرية للإرهاب.
إن الخلايا الإرهابية التي يتم تفكيكها في المغرب أضعاف مضاعفة مقارنة مع الدول التي كانت تُعتبر راعية التطرف ومغذّية مشاتل الإرهاب، كما هو حال السعودية قبل أن يتبنى ولي عهدها محمد بن سلمان استراتيجية حازمة لتجفيف منابع التطرف والإرهاب تقوم على تجريم التطرف والتكفير والترويج لهما، وفق ما جاء في مقابلة بثها التلفزيون الرسمي بتاريخ 28 أبريل 2021 “فأي شخص يتبنى منهجاً متطرفاً حتى لو لم يكن إرهابياً فهو مُجْرِمٌ يحاسب عليه قانونياً”. إن أسلوب الحزم والحسم هو الذي أعطى ثماره في السعودية بأن أخرس شيوخ التطرف ودعاة التكفير والكراهية، مما فتح آفاق التحديث والعصرنة أمام المجتمع السعودي، في الوقت الذي تراخت فيه الدولة المغربية تاركة الحبل على الغارب للدعاة ليعيثوا فسادا وإفسادا لثقافة الشباب وعقولهم حتى باتوا أكثر تطرفا وميلا للانخراط في صفوف التنظيمات الإرهابية من نظرائهم في السعودية التي منها انطلقت شرارة التطرف والإرهاب باعتراف من ولي عهدها ابن سلمان. ولعل إطلالة سريعة على التدوينات والتعليقات المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي كافية لمعرفة المدى الذي وصلته عقائد التطرف وثقافة الكراهية في الفتك بعقول ونفوس وسلوك الشباب. وما وتيرة تفكيك الخلايا الإرهابية وتنامي أعداد المنتمين إليها إلا ترجمة للمدى الخطير الذي بات عليه التطرف في مجتمعنا.
ومهما بذلت الأجهزة الأمنية من جهد مشكورة، فإن الخلايا الإرهابية ستظل تتناسل طالما ظلت تربة التطرف خصبة والدعاة/الشيوخ أحرارا في بث عقائد التكفير وثقافة الكراهية دون أن يشمل التجريم فتاواهم وتتم متابعتهم بنفس التهم التي يتابع بها أعضاء الخلايا الإرهابية، لأنهم جميعا شركاء في الجريمة. وهذا الوضع يصدق عليه قول الشاعر بشار بن برد:
مَتى يَبلُغُ البُنيانُ يَوماً تَمامَهُ //إِذا كُنتَ تَبنيهِ وَغَيرُكَ يَهدِمُ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى