رياضة

“فيفا” يعقد مؤتمرا استثنائيا لحسم هوية البلدان المنظمة ‏لنسختي 2030 و2034 من كأس العالم.

يعقد الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) مؤتمرا استثنائيا، غدا الأربعاء، لحسم هوية البلدان المنظمة ‏لنسختي 2030 و2034 من بطولة كأس العالم بعرض الأمر على تصويت الاتحادات الأعضاء ‏بعد استيفاء الملفين الوحيدين المرشحين للحد الأدنى المطلوب في تقييم العروض المقدمة.‏
ومن المقرر أن يصادق “فيفا” بالإجماع في المؤتمر الافتراضي على منح شرف تنظيم دورة ‏‏2030 من المونديال للملف المشترك بين المغرب وإسبانيا والبرتغال في الاحتفال بمئوية ‏الحدث العالمي ودورة 2034 للمملكة العربية السعودية.‏
وسبق لمجلس “فيفا” أن صادق بالإجماع في أكتوبر 2023 على اعتماد الملف الثلاثي المشترك ‏ملف ترشح وحيدا لاستضافة مونديال 2030، وكذلك الأمر بالنسبة لملف السعودية بخصوص ‏نسخة 2034.‏
وهكذا بات المغرب قريبا من تحقيق حلم ظل يراوده لمدة 4 عقود، ليصبح ثاني دولة أفريقية ‏وعربية تنال شرف تنظيم كأس العالم لكرة القدم؛ بعد جنوب إفريقيا وقطر.
ونظرا لأهمية الحدث، ‏فقد حرص القصر الملكي على زف البشرى يوم 4 أكتوبر 2023 في بلاغ رسمي استبق ‏اجتماع المجلس التنفيذي للاتحاد الدولي لكرة القدم في اليوم نفسه. ‏
ملف الترشيح المشترك بين المغرب وإسبانيا والبرتغال يجمع ضفتي الجانب الغربي من البحر ‏الأبيض المتوسط مجسدا أبعادا تاريخية وجغرافية وقواسم حضارية مشتركة بين شعوب ‏المنطقة المتوسطية قد لا تتكرر في ملف آخر.
من هذا المنطلق يمثل مونديال 2030 امتدادا ‏للعلاقات الثقافية التي كرستها ديناميكية التواصل شمالا وجنوبا على امتداد قرون من الحضارة ‏الإنسانية.‏
وإذا كان مبدأ الإرث يشكل أحد أبرز ركائز تنظيم الأحداث الرياضية الكبرى، فإن المونديال ‏يشكل فرصة أخرى للتقارب والتفاهم والتعايش بين بلدان البحر الأبيض المتوسط في عالم ‏تتزايد فيه هوامش التوتر ومؤشرات الصدام يوما بعد يوم.‏
وأخذا بعين الاعتبار السياق التاريخي لأول نسخة من المونديال، وافق مجلس “فيفا” بالإجماع ‏على إقامة احتفال فريد من نوعه بمناسبة الذكرى المئوية لكأس العالم في عاصمة الأوروغواي ‏مونتفيديو، التي شهدت أول نسخة من البطولة سنة 1930، على أن تشاركها في تنظيم ثلاث ‏مباريات من تلك النسخة كل من الأرجنتين وباراغواي، بواقع مباراة لكل منهما.‏
في عام 1930 سافر 12 منتخبا إلى مونتيفيدو للمشاركة في كأس العالم إلى جانب الدولة ‏المضيفة الأولى الأوروغواي، منهم من سافر لعدة أيام عبر السفن للوصول إلى الوجهة النهائية.‏
وعلى مدار 18 مباراة و18 يوما تنافست منتخبات معظمها تتألف من لاعبين هواة، فيما كانت ‏أخبار البطولة تنتقل ببطء شديد حتى إن المشجعين كانوا ينتظرون في أوطانهم لأيام من أجل ‏معرفة نتائج أبطالهم وتقدمهم في البطولة.‏
بطولة بدأت متواضعة لكنها شكلت الأساس لما غدا اليوم الحدث الرياضي الأكثر شعبية في ‏العالم، حيث يتنقل اللاعبون المحترفون بأريحية أكثر من أسلافهم في 1930 ويتابع محتوى ‏البطولة عبر وسائل الإعلام ما يناهز خمسة مليارات شخص كما كان عليه الحال في مونديال ‏قطر 2022.‏
وفي عالم يتزايد فيه الاستقطاب يقدم المغرب وإسبانيا والبرتغال ملفهم المشترك بشعار “يلا ‏فاموس”/هيا بنا”، تأكيدا للتكاتف بين الدول الثلاث التي تقول إن لديها حمضا نوويا مشتركا، ‏وتسعى من خلال مونديالها المشترك إلى توحيد الناس وتجاوز الحدود والاحتفال بإنسانيتنا ‏المشتركة وفق رؤية توثق الروابط بين أفريقيا وأوروبا في عالم أكثر إنصافا وعدلا.‏
ويتوافق هذا الأمر بشكل وثيق مع شعار “فيفا” “كرة القدم توحد العالم”. ‏لذلك، ففي حال نجاح ملف الاستضافة سيكون أول مونديال كروي ينظم في قارتين، بل في ثلاث قارات، ‏أخذا بعين الاعتبار الاحتفال بالذكرى المئوية للبطولة في أوروغواي والأرجنتين وباراغواي بأمريكا الجنوبية.‏
العلاقات بين البلدان الثلاثة تميزت تاريخيا بالمد والجزر، وبالخصوص بين المغرب وإسبانيا، ‏ورغم ‏قناعة الدول الثلاثة بأهميتها وبأنها استراتيجية وحيوية لكل الأطراف، لكنها عرفت ‏تاريخيا العديد من ‏الأزمات وقبل ذلك الكثير من الحروب تركت أثرها على ذاكرة شعوبها.‏
والترشيح المشترك لتنظيم المونديال يعتبر انتقالا نوعيا في هذه العلاقات وسيكون له دور ‏كبير في تغيير ‏الصور النمطية بين شعوب المنطقة، بل ربما مقدمة لميلاد تحالف وقطب جديد ‏سيكون له تأثير كبير في ‏منطقة غرب المتوسط، كما سيؤثر لا محالة في التوازنات الجديدة ‏المقبلة في المنطقة وفي العالم التي ‏تسارعت بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وأحداث ‏الشرق الأوسط.‏
من هذا المنطلق، تراهن الدول الثلاث من خلال التنظيم الثلاثي للحدث العالمي على تعزيز ‏الروابط بين الشعوب والثقافات والمجتمعات مع الاحتفاء بتفرد كل بلد، كما سيتمكن المشاركون ‏والزوار من الاستمتاع بالتنوع الجغرافي وفن الطهي والثقافة والعادات المحلية في هذه البلدان، ‏بالإضافة إلى مجموعة واسعة من المواقع السياحية الجذابة.‏
ويقدم ملف مونديال 2030 مجموعة متميزة من الملاعب تناهز العشرين ينتظر أن تصبح من ‏أشهر منشآت كأس العالم بمجرد اكتمالها أو تجديدها، ويعكس كل ملعب الطابع الفريد ونقاط القوة ‏في البلد المضيف، ويعرض مزيجا من الابتكار والتقاليد والتصميم العالمي الذي يعد بتجربة ‏بطولة لا تنسى.‏
ورغم أن حجم مشاريع البناء في سياق فترة زمنية مدتها ست سنوات يتطلب مراقبة دقيقة ودعما ‏عند الضرورة، فإن خبراء “فيفا” أقروا في تقريرهم النهائي بأن الكثير من مشاريع ‏الملاعب قد انطلقت بالفعل، كما هو الحال في المغرب، حيث من المقرر الانتهاء من معظمها ‏في الوقت المناسب تحضيرا للنسخة المقبلة من كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم في أواخر عام 2025.‏
ولا تشكل الإقامة أي عقبة بالنسبة للبلدان الثلاثة لكونها تعد من الوجهات السياحية الأكثر شعبية ‏في العالم وتتوفر بها مجموعة من البنى الأساسية والفنادق الجاهزة.
كما تتمتع المدن ‏المرشحة لاستضافة المباريات بخبرة في مجال السياحة وكذا تنظيم واستيعاب الحشود الكبيرة ‏المتعلقة بكرة القدم وغيرها من الأحداث الرياضية مثل دوري أبطال أوروبا وكأس الأمم ‏الإفريقية.‏
وتضمن البلدان الثلاثة توفير أكثر من 30 ألف منشأة فندقية و500 ألف غرفة في المدن ‏المرشحة للتنظيم.
وبات من المؤكد أن التنافس على احتضان مباراتي افتتاح ونهائي مونديال 2030 أصبح ‏محصورا بين ثلاثة ملاعب فقط في المغرب وإسبانيا، بعدما أعلنت البرتغال رسميا منذ مدة أنها ‏لن تخصص أي ميزانيات لتطوير ملاعبها الحالية أو تشيد ملاعب جديدة.‏
فمن بين 20 ملعبا مقترحا متواجدا في 17 مدينة سيقتصر التنافس على لقاءي الافتتاح والنهائي ‏بين ملعب “سانتياجو بيرنابيو” في العاصمة الإسبانية مدريد، الذي خضع مؤخرا لعملية تحديث ‏شاملة، وملعب “كامب نو” في العاصمة الكتالونية برشلونة الذي يخضع حاليا للتطوير، وملعب ‏”الحسن الثاني” المستقبلي بمدينة الدار البيضاء.
ويتضمن العرض الثلاثي كذلك 94 موقعا مقترحا لإقامة معسكرات المنتخبات المشاركة ‏وموقعين لإقامة معسكر الحكام و80 ملعبا، فيما سيقتصر التنافس بخصوص مركز البت ‏الدولي على مدينتي الدار البيضاء ومدريد.‏
ورشحت الدول الثلاث أسماء ست مدن لإقامة القرعة النهائية للمونديال والجمع العام لـ”فيفا” ‏والورشات الخاصة بالمنتخبات، ويتعلق الأمر بمدن الرباط والدار البيضاء وبن جرير ولشبونة ‏ومدريد وبورتو.‏
أما الزمن المقترح للنهائيات فيمتد من 13 يونيو/ن إلى 21 يوليوز 2030. ‏
ومن المتوقع أن تكون التكلفة الإجمالية لتنظيم المونديال في المغرب وإسبانيا والبرتغال أقل من الرقم ‏المرجعي الذي حدده خبراء “فيفا” بحوالي 250 مليون دولار، وتتعلق أساسا بتكاليف البت ‏التلفزيوني وإدارة القوى العاملة والخدمات الفنية والنقل والمنتخبات والسلامة والأمن ‏وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ‏
ووفق تقرير التقييم الذي نشره “فيفا” قبل أيام، يمثل الملف الثلاثي وضعا تجاريا قويا من حيث ‏التكاليف والعائدات بفضل المنطقة الجغرافية المميزة والبنيات التحتية الجيدة والطلب المحلي ‏القوي.‏
ومع ذلك، فقد أظهرت عدد من الدراسات المرتبطة بتنظيم البطولات الكبرى أن 15 من 19 ‏بطولة تجاوزت كلها سقف الميزانية المرصودة لها، بل إن 60% منها تقريبا تجاوز فيها حجم ‏الزيادة 50% في حين تجاوز في الباقي نسبة 100%.‏
مجموعة من الدول والمدن التي استضافت البطولات الكبرى استفادت من الاستثمارات ‏المخصصة لهذه الأحداث من أجل إعادة هيكلة وتطوير المشهد الحضري وتحسين البنية ‏التحتية الأساسية، علما بأن هذه التحولات لا تكون دائما مفيدة لجميع الأطراف المعنية بالتغيير، ‏إذ تتحول أحيانا إلى تأثيرات سلبية، وهو ما يسميه الباحث مارتن مولر “متلازمة الأحداث الكبرى”.‏
من جانب آخر، يتيح القرب الجغرافي بين البلدان الثلاثة مدة سفر لا تزيد عن 3 ساعات كحد ‏أقصى بين جميع المدن المضيفة، مما يسهل عملية التنقل على المنظمين والضيوف واللاعبين ‏والمشجعين، فالمدن المذكورة توفر أنظمة نقل جماعي مثل مترو الأنفاق أو الترام أو النقل ‏السريع بالحافلات، بالإضافة إلى بنية تحتية ميسرة للتنقل. كما توفر موانئ العبارات بديلا رائعا ‏للزوار الذين يدخلون البلدان الثلاثة.‏
ولعل زائري المغرب في الآونة الأخيرة يلاحظون حجم التحول الذي تشهده مجموعة من مدنه ‏الرئيسية، لاسيما المعنية بتنظيم المونديال، من خلال الورش الكبيرة المفتوحة لتوسيع وتحديث ‏البنية التحتية للنقل والإقامة وفق استراتيجية شاملة.
واستنادا للمعطيات المقدمة في الملف ‏المشترك، فإن إدارتي مطاري محمد الخامس الدولي في الدار البيضاء ومراكش تخططان ‏لمضاعفة طاقتهما الاستيعابية إلى 37 مليون مسافر بحلول عام 2030، مما يعزز من مكانة ‏هاتين المدينتين كبوابتين رئيسيتين للبلاد.‏
ومن منظور عابر للحدود، فإن اتفاقية الأجواء المفتوحة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، التي ‏تسمح لشركات الطيران من كلا المنطقتين بالعمل دون قيود على المسارات أو السعة أو ‏الأسعار، تعزز الربط والتعاون عبر منطقة البحر المتوسط وتوفر أساسا لوجستيا ‏مميزا لتنظيم مثالي للحدث الرياضي العالمي.‏

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى