في الطريق إلى معبر الگرگرات
قد توصف للقادمين من أوروبا بمسك ختام المغرب المتنوع في الجغرافيا والمناخ كما العمق التاريخي والحضاري وقد تكون بداية هذا الأريج للوافدين من إفريقيا
هي العائمة داخل البحر كشبه جزيرة بطبيعة صحراوية وثلاث سواحل على امتداد 40 كلم في عمق المحيط الأطلسي حيث تلتقي رمال وكثبان الصحراء ذات الطبيعة البكر برمال وأمواج الأطلسي الشيء الذي جعل من المدينة أشبه بسفينة ضخمة تخترق عباب المحيط..
هي بهذا التشكل الطبيعي لم تكن داخلة فقط في المحيط بل تدخل القلوب أيضا من أول زيارة واكتشاف
فرادة هذا الموقع الجغرافي كشبه جزيرة تربطها باليابسة بحيرة هادئة هو خليج وادي الذهب جعل منها المدينة الوحيدة في العالم التي تشرق فيها الشمس وتغرب على صفحة البحر، كما أن هدوءه بعمق متوسط وبرياح قوية وجو مشمس طوال السنة جعلها الأنسب لرياضات التزحلق على الماء وركوب الأمواج كمنطقة آمنة خالية من المخاطر لممارسي هذا النوع من الرياضات حسب الخبراء في هذا المجال مما أهلها لاحتضان ملتقيات رياضية عالمية لرياضات الماء في هذه الطبيعة الصحراوية الدافئة الأجواء.. والملهمة لرؤس الأموال والأفكار والإبداع..
هي اول مرّة تسبح عيْنيّ في هذا الجمال واستنشق هذا الهدوء والأمان لأتيه بين دروبها الضيقة وأختلط بسكانها مستمتعاً حيناً وباحثا بين الحين والآخر فهم هذه الفرادة والتعايش بين هذا الاختلاط السكاني من ابناء الصحراء وآخرين وافدين وأجانب مقيمون من دول الجوار وغيرها..
هذه الطمأنينة دفعتني كي افكر في ما بعد مدينة الداخلة نحو معبر الگرگرات.. المعبر الذي لا يذكر اسمه عالميّا حتى تأتيك تفاصيل أقصر ملحمة تحرير في التاريخ.. والعملية النوعية لقوات جيشنا الأبي التي انتهت بما يصطلح عليه في الأدب الشعبي بعملية صندليستان..
هو النصف الإيجابي لروح المغامرة دون أن انفي ان هناك هواجس وتخوفات للنصف الآخر من الكأس…
ولأني من المؤمنين جدّاً بقولة ” ليس من رأى كمن سمع” أنتهز فرصة هذا العشاء الثقافي في اليوم الموالى للمهرجان واستفسر محيطي عن إمكانية السفر نحو المعبر الحدودي لألحظ من خلال الردود ان الامر عاد جدّاً وعليك فقط أن تختار بين الخطوط الوطنية وبين سيارات الأجرة
زاد اطمئناني أكثر حين لم أستطع ان احجز ورقة سفري الا بعد يومين وفي الأرقام الأخيرة جراء الحجز المسبق.. انتهزتها فرصة لوضع برنامج عمل لهذه الزيارة بتنسيق مع الجريدة منها لقاء إعلامي مع إمام مسجد الگرگرات.. وتقرير عن فندق الشموخ وتفاصيل المنطقة عموما..
هي الثامنة والنصف صباحا ليوم الاثنين.. كأني بمحطة إحدى المدن المغربية.. حافلة أنيقة بسائقين شابين بشوشان… مسافرون من مختلف الأعمار والجنسيات في وضعية من دأبوا على السفر إلى هناك..أمتعة وإرساليات
على بركة الله وبرفقة زرقة المحيط على مسافة 40 كلم لتخرج من المدينة نحو الطريق الوطنية.. تقرأ قبالتك لوحة التشوير جماعة بئر انزران على بعد 14 كلم.. وتعود بك الذاكرة إلى 14غشت 79 وبطولات فيلق مغربي بهذه المنطقة الذي بقي صامداً بقلّته دفاعا عن المدينة لمدة يوم ونصف حتى وصلت الإمدادات.. لم أنته من الدعوة لأرواحهم الطاهرة حتّى دخلنا جماعة العرگوب الذي لم اعرف هذا الإسم الا من خلال اغنية جيل جلالة… وعرفه المستثمرون المغاربة والأجانب عبر إنشاء سلسلة فنادق من المستوى العالي بل صادفت هذه الرحلة فاطمة الزهراء عمور، وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، هذا الإثنين 5 يونيو 2023، تدشين فندق 212 Oasis بالمنطقة…
بين زرقة المحيط يميناً ورمال ذهبية شمالاً كانت الحافلة تطوي المسافات بشكل سلس ومريح في التجاوز كما في المنعرجات على طريق معبدة بجودة عالية وبعلامات التشوير وضبط السرعة… بقدر مالفت انتباهي حركية المرور وكثافتها ومن انواع السيارات والشاحنات الدولية لم أسمع طيلة الرحلة منبه الصوت للحافلة او غيرها.. لفت انتباهي أيضاً حداثة الأعمدة الكهربائية ذات الضغط العالي حتى نهاية الرحلة وما بعدها.. ليرتفع بذلك منسوب الشعور والإفتخار بهذه الإنجازات التنموية بأقاليمنا الجنوبية بموازاة معركة الترافع الدبلوماسي الصامت والرزين… معتزّاً بانتمائي إلى شعب أبيّ فخور بتاريخه… ومجروح بظلم الحاضر جراء تكالب الاطماع الأجنبية على الإمبراطورية الشريفة وصرنا نحارب بكل ايمان من أجل وحدتنا الترابية لمدة نصق قرن تقريبا بعدما خاض آباؤنا النصف الآخر ضد الاستعمار بشكله الثلاثي.
قرن من الزمن ومن جيل لجيل ونحن في مواجهة هذا التكالب من جهة.. وتأخرتت التنمية والديمقراطية من جهة ثانية.. حتّى إذا أطمأنّ هذا العدو لانهيارنا يكتشف أننا في كل مرّة لا نعمل إلاّ على إعادة ترتيب أوراقنا للسير نحو الإمام..
نحن صامدون هنا
هكذا خاطبت المحيط الأطلسي ذاك الجار الوحيد الذي بقى وفيّاً لعلاقة الجوار وهو يشهد ان الصحراء المغربية والسيادة عليها أمر واقع في الميدان.. وهذا الجدار يحرسه بناته وأبناؤه.. فقد طوى هذا الملف وإلى الأبد.. كما صدح بذلك السفير المغربي عمر هلال مؤخراً باللجنة الرابعة داخل أروقة الأمم المتحدة.. في أفق إخراج هذا الملف هناك قبل نهاية هذه السنة حسب المعطيات المتداولة..
أما أنا فقد دعاني احد أبناء المنطقة ورفيق الرحلة إلى تقاسم كأس شاي بجماعة بئر كندوز كمحطة استراحة قبل استئناف الطريق ولمدة ساعة تقريبا حتّى فاجئني مقدمة صومعة من الطراز الرفيع أزالت مني كل التعب وإرهاق الهواجس والتفكير لنقترب أكثر نحو محطة وقود حديثة العهد وإلى جانبها أشغال بناء لمنشئات اجتماعية وإدارية… وعلى مسافة أكثر من كلم طابور من الشاحنات الدولية تنتظر دورها في العبور إلى إفريقيا.. وأخرى قادمة من هناك نحو أوروبا..
في المطعم تساءلت عن الإختيارات فصدمتني العروض المتوفرة بما فيها البيتزا… وصلني صوت آذان الظهر وخلف الإمام تجد أكثر من خمس صفوف من مختلف الجنسيات والعرقيات داخل فضاء جميل وانيق ومريح ومنبعث للطمانية والأمن والأمان..
وكم كان المشهد مؤثراً وانا اتقاسم درج النزول من المسجد مع موريتاني وغيره فيبادرني بالحديث حول دور هذا المسجد باعتباره صدقة جارية لمن فكر في بنائه وبهذه السرعة والجمال.. فالمئات.. المئات من المسافرين وعبر الصلواة الخمس ذهابا وإيايا لا تستريح الا داخل هذا الفضاء التعبدي وخلف إمام شاب بصوت رخيم…
الله إحفظ بلدكم المغرب بملكه المحبوب وشعبه الطيب..
بهذا الدعاء ودعني…
وقبل أن أودعكم ايضا على أمل اللقاء بكم في الحلقة الثانية ان شاء الله لا حظت ان مدينة جديدة بدأت ملامحها تتأسس الآن.
بقلم : غريب يوسف / كاتب صحافي