قيس لأحفاد الفلاقة:”أنا ربكم الأعلى!”.
ينهل الرئيس التونسي، قيس سعيّد، بشغف من دليل الديكتاتوريات القديمة والحديثة، مثل النمرود بن كنعان…وفرعون في مصر القديمة…وديونيسيوس الاول اليوناني…وعيدي امين رئيس اوغندا الثالث…وهيديكي توجو الياباني…ومنغسو هايلي مريم الاثيوبي…وكيم الكوري الشمالي…وبول بوت وهتلر وبشار السوري…والقدافي الليبي…
فالمتتبع لمشاهد مسرحية الديكتاتورية الجديدة بتونس، منذ 25 يوليو2021، تاريخ بدء الانقلاب رسمياً على النظام السياسي والدستور في تونس، سيلاحظ ان بطل هذه المسرحية لا يفوت اي مشهد/ يوم دون أن يبدع هو شخصياً، أو عبر من يشاركه المسرحية من الاتباع، لوك الخطاب الترهيبي التهديدي لكل من لايريد ان يلتحق بالمسرحية او على الاقل الاستمتاع بها مكرها دون تعليق، ومن ثم سن عشرات الجرعات/الاجراءات لتعطيل الحياة السياسية/البرلمانية الفاعلة، والانقلاب على الدستور ومؤسسات القضاء، عبر استهداف القضاة النزهاء ورميهم بالتهم جزافاً، ثم ملاحقة الإعلاميين ومنع ظهور المعارضين على الشاشات، وإطلاق يد المحاكم العسكرية…
وذلك كله يبدو غير كافٍ بالنسبة إلى قيس، ولن يكون وافياً قبل تحقيقه هدفه “الأعلى”،المثمثل في قتل كل قيم الوطن والوطنية في جسد النخب التونسية،على منوال تجربة نظام الكابرانات في قصر المرادية،فهو يجتهد لإرساء جمهوريته الخاصة،التي يتحكم فيها بجميع السلطات كما يحصل الان في الجزائر…وكما حصل من قبل في ليبيا زمن القدافي، يتحوّل فيها الجميع إلى مجرّد كومبارس ودمى ماريونيت،يحرّكها كيفما يشاء، يميناً أو شمالاً، تكتفي بإطاعة أوامره. لا يريد صوتاً آخر غير صوته.
يعتقد قيس أن كل جرعاته لتعطيل الحياة السياسية،وخلق هامش سياسي وحزبي جديد على المقاس…ثم ترهيب المخالفين وسن الاعتقالات وتعديل الدستور…كلها جرعات لم تكن كافية لاحكام سيطرته على جسد تونس الخضراء التي حولها الى تونس يخيم عليها السواد وتعاني الهزال….
قيس صنع مشهد تونسي اساسه صناعة تأزيم الواقع كوسيلة لضمان البقاء و الاستمرار…مشهد كل افكار و مخططات الرهط فيه تختصر في قاعدة شيطنة كل تحرك شعبي او فردي واعي وحامل لمشروع مجتمعي … والتقليل من اهميته و فعاليته من جهة ، واعتماد استراتيجية فرق تسود في حق مكونات الشعب التونسي من جهة اخرى … مشهد يثم فيه تغيبت حرية حركة الشباب و الشعب … و يثم فيه سجن البعض في الاوهام والاحلام عبر الخطاب الشعري،ويمنع آخرين من المشاركة، وبذلك أصبحت الأزمة تشمل وتشل كل مشروع تغييري مستقبلي عبر تغييب الوعي بأولوية العناصر الاساسية الفاعلة … مشهد كله تحليلات امنية ضيقة وتفاصيل وعناصر لا دور حقيقياً لها …. مشهد سياسي عام يمكن القول ان جينات الباطل اقوى فيه من جينات الحق رغم ان حقيقة التاريخ وسيرورته تؤكد لنا ان انتصار الباطل دائما يكون ظرفيا و لا يستمر عكس الحق الذي تبقى له دائما الكلمة الاخيرة . فـ ” نـور الحق أضـوأ من الشمس ، فَيَحِـقّ لخفافيش البصائر أن تَعْشُو عنه ” كما يقول ابن القيم .
الباطل له جعجعة وجَلَبَة ، له صوت هدير بكل دعوى فـجّـة، يعلو وجه تونس عُلوّ تحكم ، و لكن لابد سيرحل أهل الباطل .. ويزول باطلهم ، فلا يبقى لهم ذِكر حَسَن ولا أثَـر نافِع .
ولكن الى متى ستستمر الديكتاتورية تفسد في تونس الخضراء و لا تصلح؟؟؟ هل تونس في حاجة الى مزيد من الانتظار وتضييع الوقت حتى تفشل الديكاتورية الجديدة؟؟ متى سيكتشف احفاد “ثوار الفلاقة” حقيقة الباطل الممارس عليهم من طرف الديكاتورية المقنعة؟؟ لا شك ان الباطل ابدا لن ينسحب طوعيا ما لم تكن هناك قوة حق منضمة مضادة تستطيع ان تحول دون سيطرة جينات الديكتاتورية و سحرهم على جينات الشعب ، و بدلك تنقل تونس من مرحلة المشروع الديكتاتوري الفاشل الذي صنعته ايادي الرهط و اساسه صناعة تأزيم الواقع كوسيلة لضمان البقاء و الاستمرار كما سبق الاشارة … الى مرحلة المستقبل الديمقراطي المنشود والصادق الذي يحتاج ويستدعي التحرك الآن وفوراً للتصدي لمحاولات المزيد من التمكين للديكتاتورية المقنعة عبر مخطط تعديل القوانين الانتخابية بما يقطع الطريق أمام عدد من مناهضيها الصامدين رغم كل الاكراهات،وتضع أمامهم كل الحواجز القانونية لترك الساحة خالية أمام إعادة تعيين الديكتاتورية لنفسها.
يعي قيس خطورة اتساع الجبهة الرافضة للحكم المطلق تحث اي دريعة كانت… ولذلك يبدو أكثر المستفيدين من عدم قدرة المعارضة التونسية على تجاوز خلافاتها وحساباتها الضيقة. ولذلك، كلما شعر بالاطمئنان لتشتتها، خطا خطوة إضافية باتجاه إرساء جمهوريته واقرار المزيد من جرعات الجكم المطلق. وكلما استشعر خطراً قلّل من سرعة اندفاعه، أو أشهر إحدى أدوات ترهيبه.
وختاما نقول، لقيس:
أوردها سعد وسعد مشتمل…ما هكذا يا سعد تورد الإبل
“””بقلم : محمد امنون”””