عين على الصحافة

“لوموند”: الجزائر مستاءة من التقارب المغربي الفرنسي.

قالت صحيفة “لوموند” الباريسية في عددها يلوم الثلاثاء الماضي 29 اكتوبر 2024، إن الرئيس الفرنسي يحل في الرباط كدلالة على المصالحة مع المغرب بعد فترة من الفتور دامت قرابة ثلاث سنوات، من صيف 2021 إلى ربيع 2024. واضافت أنه من “المتوقع أن يحتفل الملك محمد السادس مع إيمانويل ماكرون، بشكل رسمي ومُشرق، بفصل جديد في العلاقات الثنائية، وفقا لما ورد في قصر الإليزيه، مع رؤية جديدة للثلاثين عاما القادمة ذات أهداف استراتيجية واسعة.”
وأشار صاحب المقال، فريديريك بوبان، إلى أن هذه الزيارة سوف تُراقب عن كثب من قبل الجزائر المجاورة، في وقت تتجدد الأزمات مع فرنسا عقب انضمام الأخيرة، في يوليوز، إلى أطروحة “السيادة المغربية على الصحراء”.
وأكدت “لوموند” أنه رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها “كواي دورساي” ( لقب الخارجية الفرنسية بالكناية) لتجنب “اللعبة ذات النتيجة الصفرية” في شمال أفريقيا؛ أي تحسين العلاقة مع الرباط دون إضعاف العلاقة مع الجزائر، فإن حدة التنافس بين العاصمتين المغاربيتين تجعل من التوازن مهمةً تزداد صعوبة.
وذكرت الصحيفة الفرنسية أن محاولات ماكرون المدعومة من أجل المصالحة التاريخية مع الجزائر قد أدت إلى استياء في الرباط. وقد نتج عن ذلك جمود شديد أوقف علاقة كانت تحتفل سابقًا بأنها “استثنائية”؛ متجليا في تراجُع الاتصالات الرسمية، وتجاهل العرض الفرنسي للمساعدة خلال الزلزال في مرتفعات الأطلس في شتنبر 2023. “إنها أزمة ذات خطورة غير مسبوقة.” كما تقول لوموند.
واستدركت الصحيفة قائلة: “بيد أن الأجواء قد تحسنت منذ الصيف، وقد جاء التحسن من التغيير الذي أجرته فرنسا بشأن الصحراء، وهو شرط وضعه الملك المغربي لأي تدفئة للعلاقات الثنائية”. وفي رسالة موجهة للملك في 30 يوليوز بمناسبة عيد العرش، اعترف ماكرون بـ”السيادة المغربية” على المستعمرة الإسبانية السابقة، مشيرا إلى أن خطة الحكم الذاتي التي قدمها محمد السادس منذ عام 2007 تشكل “الأساس الوحيد” لحل مستقبلي يُمكن “التفاوض عليه”.
ونتيجة لذلك، تضيف لوموند أن “الرباط اعتبرت ذلك نجاحا في اختبار القوة الذي فرضته على باريس”، حيث عبر الملك محمد السادس أمام البرلمان، في 11 أكتوبر، عن “أحرّ الشكر” و”عميق الامتنان” لفرنسا والرئيس إيمانويل ماكرون على “هذا الدعم الواضح لمغربية الصحراء”.
وتابعت الصحيفة أنه ” كما كان متوقعا، كان الثمن الذي يجب دفعه مقابل هذا الهدوء المغربي هو فتح أزمة جديدة مع الجزائر التي ردت فورا بـ”سحب” (وهي خطوة أكثر جدية من “استدعاء”) سفيرها لدى باريس وعلقت معظم الاتصالات الرسمية.
وتجلى الانسحاب بشكل خاص، حسب نفس المصدر، من خلال إلغاء مشروع الزيارة الرسمية للرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، إلى باريس التي كانت مقررة في الخريف. وأكدت لوموند أن الفرنسيين توقعوا هذا الرد ويتحملون المخاطر بسهولة أكبر نظرا لأنهم يعتقدون أن اليد الممدودة التي قدمها ماكرون في السنوات الأخيرة – باعتباره”الرئيس الأكثر دعما للجزائر في الجمهورية الخامسة”، كما يُقال في وزارة الخارجية – لم يتم الاستجابة لها بشكل صريح. ومع توجههم نحو “فقدان” المغرب دون أن يأملوا في “كسب” الجزائر، قرر قصر الإليزيه، بعد تفكير طويل على مدار عام 2023، إعادة توجيه دبلوماسيته المغاربية نحو المملكة الشريفة.
من الناحية الاقتصادية البحتة، كان المؤيدون للمغرب داخل الجهاز الحكومي الفرنسي، الذين كانوا يدفعون نحو هذا التوجه، يستندون إلى عدة أرقام. وفقا للصحيفة، بلغت صادرات فرنسا إلى المغرب 6.7 مليار أورو، في عام 2023، أي بزيادة الثلث مقارنة بتلك الموجهة إلى الجزائر. أما حجم الاستثمارات الفرنسية، فقد بلغ في عام 2022 حوالي 8.1 مليار أورو في المغرب، مقابل 2.4 مليار في الجزائر، أي أكثر من ثلاثة أضعاف.
وشددت لوموند على أنه “ينبغي أن تكون زيارة ماكرون فرصة لتعزيز الحسابات الفرنسية في المغرب مع الإعلان عن عقود كبيرة في الأفق.”
ولفتت إلى أن المغرب استطاع أن يبرز نفسه كمنصة للانطلاق نحو إفريقيا، رغم أن مبادراته (مثل خط أنابيب الغاز نيجيريا-أوروبا أو الممر الأطلسي المقدم لمنطقة الساحل) غالبا ما تتعلق بالتواصل أكثر من كونها واقعا عمليا.
وتعتقد باريس أنها تستطيع جزئيا تلبية مصالح الجزائر التي تتعرض للضعف في بيئتها الإقليمية في ظل الهيمنة الناشئة للملوك من الخليج الفارسي وظهور لاعبين جدد بشكل عدائي؛ مثل روسيا والإمارات العربية المتحدة وتركيا وإيران…، على أسواقها في الساحل.
ومع ذلك، يختتم المقال، بأن الأزمة التي أحدثها تغيير موقف ماكرون بشأن الصحراء تبقى جادة وطويلة الأمد، “فقد شعر تبون، الذي كان من المفترض أن يحتفظ الرئيس الفرنسي بعلاقة ثقة معه، بـ “الخيانة”، وفقا لدبلوماسي فرنسي. وكانت مرارته أكبر لأن ماكرون، الذي كان قد حرص على إبلاغه مسبقا خلال لقاء في 13 يونيو في باري (إيطاليا)، على هامش قمة السبع، قد تجاهل فعليا خطورة التحول القادم.
وأضافت لوموند أن باريس تأمل في تخفيف الصدمة من خلال العمل على تقديم عرض جديد يتعلق بالذاكرة حول حرب الجزائر أو الاستعمار. وتوقعت أنه “قد تُقدم “اعترافات” غير مسبوقة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى