محمد عزيز الوكيلي: في ضيافة رئيس مُغتاب!!
وقف رئيس الجمهورية “الديموقراطية الشعبية” (معذرة عن هذا الوصف غير المنطبق على الموصوف) ليُدلي بخطاب أمام أعضاء برلمان بلاده… ومِن جميل الصدف أن يلتئم الجمع، الذي سيخطب فيه السيد الرئيس، بمبنى نادي الصنوبر بالذات، وهو الفضاء الصاخب الذي درج الرئيس نفسُه وحواريوه وكل من يدورون في فلكه، وكذا الذين يدور هو في فلكهم، درجوا على قضاء لياليهم الحمراء في زواياه ومخابئه، حيث يُوَدّع كلٌّ منهم عقله وصوابه إلى حين، بوتيرة يومية، وحيث يتخذون مواقفهم وقراراتهم اللاسياسية واللادبلوماسية، واللامعقولة كعادتها، في انتظار أن يشبع منها العالم ضَحِكاً وسخريةً وتهكُّماً، ليعودا بعد ذلك إلى التراجع عنها أو إلغائها بطريقة أو بأخرى، دون أدنى حرج، لأن الضمير المكلف بإنتاج فوطونات الحياء والخجل والحرج أعلن مَوَاتَهُ منذ البداية، بعد أن ترسخت جذور الجفاف الروحي والارتداد الأخلاقي في ذات التربة، وذات الفضاء الشاهد على كل هذا العبث… أقصد فضاء “نادي الصنوبر” بالذات!!
كنت أقول، وقف الرئيس ليلقي خطبته أمام “لاممثلي” أمّته، الذين لا يمكن أن يمثلوا غير ذواتهم، بل حتى هذه استبدلوها بتمثيل إرادات أسيادهم وأولياء نعمتهم، فقال كلاماً يشهد التاريخ الإنساني أنه فريد من نوعه… كلام مليء باللمز والتنابز، يمتح من قواميس دُور المياه، حاشاكم، وبدا كعادته سكراناً وهو يَنسِب نفسه ومَحتِدَه لشهداء سماهم بأسمائهم، من الغريب أن من بينهم مرحوماً يحمل من الأسماء: “آمون”، كبير كهنة فرعون، وتصنّع وهو يرطن بأسماء “الشهداء” نبرة بكائية من الغريب أن تصدر عن رئيس دولة يحترم نفسه ويحترم مخاطَبيه، ثم انتقل للتو إلى معتقل الرأي “الجزائري/الفرنسي” بوعلام صنصال، فوصفه باللص، وباللقيط مجهول الأب، فشكّل بذلك سابقة غير مسبوقة في أدبيات رؤساء الجمهوريات، سابقة تكرس الممارسة المبيّتة والمقصودة لنسيئة “الغيبة”، التي شبهها رب العزة “بأكل لحم الأخ ميتاً”… فطوبى لأجيال الجزائر الصاعدة وهي تتلقى القدوة والأسوة من رئيس الدولة، وما أدراكم ما رئيس الدولة في مِخيال الأجيال الصاعدة!!
ولأن الغيبة عند هذا الرئيس لا تنحصر في التعرض لأفرادٍ بعينهم دون الأغيار، فقد زاد على ذلك باغتياب رئيس الدولة الفرنسية، الذي لا يجد الشجاعة لمصارحته بانشغالاته ومؤاخذاته كما يفعل الرؤساء المحترمون في كل بقاع العالم، فاكتفى “بالتقليز” له من تحت منبر الخطابة، ثم انتقل كالعادة إلى “حبيب القلب”، المغرب، الذي لا يحلو الكلام يومياً إلا بذكره والإغراق في محاولة تشويه صورته، فقال إن المشروع المغربي للحكم الذاتي ليس مغربيا في أساسه، وإنما هو مشروع فرنسي، فضلا عن كونه مجردَ خرافةِ ليس إلاّ… وبطبيعة الحال، فالسيد الرئيس، في غمرة سُكرِه الطافح كالمعتاد، لم ينتبه إلى أن ما يسميه “محضَ خرافةٍ” يشكّل وثيقة رسمية معتدّاً بها في مجلس الأمن، الذي لا يفتأ يَعبر عن استحسانه لها، ويصفها ومعه المجتمع الدولي ومؤسساته الدولية بالجدية وذات المصداقية والقابلة للتطبيق، وهذا قد أكد عليه كل القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن منذ سنة 2007… لكن “ما باليد حيلة”، فسيادة الرئيس يقول عنه إنه مجرد خرافة، وكذلك قال وزير خارجيته الرحالة الفاشل، والأجمل من كل ذلك أن البرلمانيين المتلقين لذلك الخطاب الفارغ لم يتكاسلوا عن التصفيق على السيد الرئيس بين كل هرطقة وأخرى، مما يدل بالبرهان الساطع على مصداقية المثل الشعري المأثور لشاعر العراق المرحوم التعاويذي:
“إذا كان رب البيت للدف ضارباً…
فشيمةُ أهل البيت كلّهمُ الرقصُ”
ولا غرابة في هذا، مادام الرئيس وبرلمانيوه من نِتاج نفس التربة ونفس النبتة الخُلُقية، التي صار العالم برمته على بينة منها، بفضل وسائل الإعلام والاتصال والتواصل، الشاهدة رقمياً على كل هذا الخَواء الفظيع، المتمثل في رئيس جمهورية يمارس الغيبة في أجلى صورها، أمام الله، وأمام الملأ من أهل وطنه، وأمام عالم يعلم الله مدى استهجانه لهذا المسخ الذي لا حدود له!!
ولأن الخير مرة أخرى لا يأتي منفرداً، فقد زاد الرئيس الجزائري على كل هرطقاته بالقول بكل بجاحة: “إن في المغرب أيضاً نحو خمسمائة جمجمة لشهداء جزائريين يرفض المغاربة إرجاعها إلى أرض الوطن”… فهل كان يعني بذلك أن شهداء جزائريين قُتِلوا داخل التراب المغربي؟ إذا كان ذلك قصده، فهل كان هؤلاء يحاربون “المستعمر المغربي” بدلا من الفرنسي؟ أم هل كانوا يحاربون داخل المغرب من أجل أن ينال المغاربة استقلالهم قبل الجزائريين، فقتلهم الفرنسيون داخل المدن المغربية؟ أم هل أراد الحديث عن جماجم شهداء مغاربة قتلهم الفرنسيون فوق التراب الجزائري، وهذا عينُ الواقع، فاختلط عليه الأمر فجاء كلامه في الاتجاه المعاكس… أم ماذا؟!!
ملحوظة: مَن لم يشاهد منكم وقائع تلك الجلسة البرلمانية في إبانها فلا فائدة في الرجوع إليها، الآن، لأن المَقاطع المشار إايها في هذا المقال قد وقع اقتطاعُها وسحبُها، ربما مِن لدن مخابرات عبلة، أو من طرف الصاحين الأوائل مِن عربدة تلك الخطبة المشهودة!!
رجاءً، كما في مرات كثيرة سابقة، مَن فَهِمَ منكم شيئاً فليتفضّل بتنويري!!!
“””محمد عزيز الوكيلي/ إطار تربوي”””