كتاب وآراء

مصطفى بن شريف: “مشروع قانون المسطرة المدنية،عدوان تشريعي على المبادئ الدستورية”.

إن المحاماة مهنة حرة، مستقلة، جزء من أسرة القضاء، و جناح من جناحي العدالة،  تساهم في تحقيق الأمن القضائي، و الدفاع عن الحقوق و الحريات و النهوض بها،و المحامون بهذه الصفة يعتبرون شركاء للسلطة القضائية  في تثبيت أسس دولة القانون  و سيادة القانون، و الدفاع عن حقوق المواطنين و حرياتهم.
وهكذا، فمن الطبيعي أن يتمسك المحامون بالمغرب، بأن تظل مهنة المحاماة حرة مستقلة، لأنه لايجوز أصلا لغير المحامين مزاولتها، خلافا لما ورد في مشروع قانون المسطرة المدنية، و هو المبدأ الذي ورد في جميع القوانين المنظمة لها منذ الإستقلال، و التي عرفت خمس قوانين: 1959 و1968 و 1979 و 1993 و 2008، و لا يجوز للقوانين الإجرائية أو الموضوعية التعدي على المراكز والمكتسبات المهنية التي راكمتها مهنة المحاماة.
ومن جهة أخرى، إن هيئات المحامين بالمغرب (نقباء و مجالس و جمعيات عمومية)، إلى جانب جمعية هيئات المحامين بالمغرب كإطار تنسيقي و مجال للتشاور، و توحيد الموافق، و التوافق على القرارات في القضايا المهنية و التشريعية، و الوطنية، لم تتردد   في يوم من الأيام في الدفاع عن القضايا الوطنية و القومية، والحقوق و الحريات و الديموقراطية و الإصلاحات الدستورية، و لازال دورها نشيطا، وازنا، و فاعلا، تؤمن بالحوار الديموقراطي، و إحترام الرأي و الرأي الآخر، لذلك لا يمكن تهميش المؤسسات المهنية، لما يتعلق الأمر بالشؤون المهنية أو بتشريع القوانين الإجرائية والموضوعية.
إن مسؤولية المحاماة لا تقل أهمية عن مسؤولية القضاء، و ذلك بالنظر إلى كونهما يمثلان جناحي العدالة، و في تحمل مسؤولية الحفاظ على مقومات العدالة كل من موقعه، في إطار إستقلالية كاملة بين القضاء والمحاماة في أداء رسالتهما و في ضمان الأمن القضائي.
و نظرا لمكانة المحاماة و أهميتها في الحياة العملية و المجتمعية، و دورها المحوري في زرع ثقافة حقوق الإنسان، و التواصل مع جميع مؤسسات الدولة في إطار علاقة تكامل مع رسالتها النبيلة، القائمة على الدفاع عن الحقوق و الحريات، و المساهمة في بناء دولة القانون، لذلك لم يعد ممكنا للحكومة أو البرلمان أو السلطة القضائية معالجة القضايا المهنية و التشريعية دون تعاون مع الهيئات المهنية و مع جمعية هيئات المحامين بالمغرب، و إشراكها في إعداد القرارات و مشاريع القوانين ذات الصلة بالممارسة المهنية.
وعدم التفاعل إيجابيا مع إنتظارات المحامين والمتقاضين، أمر يتعارض مع مقاصد دولة القانون، والديموقراطية التشاركية التي تعتبر مبدأ دستوريا، و كل إنكار لذلك يترتب عنه إحتقان لا يمكن التنبؤ بنتائجه.
إن التذكير بمهام رسالة الدفاع، تقتضيه شروط المرحلة، التي تتميز بالإحتقان الناتج عن أعمال الحكومة أو من في حكمها، و التي يفهم منها أنها تستهدف مهنة المحاماة، دون الإفصاح عن الأسباب و الخلفيات صراحة لكن بإعمال قراءة موضوعية لخطاب الحكومة  أو وزير العدل أو رئيس مجلس النواب، نخلص إلى القول بوجود من يسعى إلى “شيطنة“، المحاماة كمدخل من أجل إحتوائها، و تركيعها، عن طريق مباشرة الوسائل التشريعية و الإدارية و القضائية.
ويعتبر التشريع الضريبي، ونظام التغطية الصحية، ومشروع قانون المسطرة المدنية، ومشروع قانون المسطرة الجنائية من بين الوسائل التي يتم تسخيرها في مواجهة مهنة المحاماة، و كأن رسالة الدفاع تمثل “معارضة سياسية راديكالية”، بقناع حقوقي.
لكن، و مهما يكن من أمر، فالحكومة تمارس السلطة التنفيذية، والبرلمان يمارس السلطة التشريعية وفقا للشكل المبين في الدستور، عن طريق إصدار تشريعات التي يجب أن تكون مطابقة لأحكام النصوص الدستورية، وإلا تعرضت للحكم بعدم الدستورية.
و هكذا، فالحق في التقاضي و حقوق الدفاع، و الحق في محاكمة عادلة هي من الحقوق التي يكفلها الدستور، والإتفاقيات الدولية، الأمر الذي لا يجوز معه للمشرع إهدار هذه الحقوق أو تعطيلها، عن طريق وضع قيود عليها، أو بإغفال أو بإنكار القواعد الدستورية، عمدا أو عن غير عمد.
علما أن البرلمان و إن كان يمارس السلطة التشريعية، و التي هي في الأصل ([1])، “سلطة تقديرية”، لكنها يجب أن تكون مطابقة للدستور، لكونها ليست سلطة مطلقة، بل مقيدة بحدود الدستور، خلافا لما يحصل مع مشروع قانون المسطرة المدنية.
و يؤخذ من بعض مواد مشروع قانون المسطرة المدنية، أنها تمثل و بحق تعديا على مبدأ المساواة بين الأفراد أمام القانون، و التحيز لمصلحة فئة معينة، علما أن القاعدة القانونية يجب أن تكون عامة و مجردة، الأمر الذي يفقد المشروع صفة التشريع أو القانون، لأن البرلمان مقيد بالدستور بوصفه يمثل السلطة التشريعية التي من مهامها تحقيق المصلحة العامة، و ليس الدخول في “صراعات سياسية”، و في تنازع مع المحاماة عن طريق تسخير التشريعات كوسيلة “للردع” دون سبب مشروع.
وهكذا، سأتولى دراسة موضوع “مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02، “عدوان تشريعي” على المبادئ الدستورية المتعلقة بحقوق الدفاع و الحق في التقاضي   و الحق في محاكمة عادلة”، و ذلك من خلال المحاور التالية:
أولا: المرجعية الدستورية لحقوق الدفاع  و الحق في التقاضي:
تعتبر حقوق الدفاع و الحق في التقاضي مبادئ كونية و دستورية، و ردت صراحة في الإعلانات و المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، و نصت عليها دساتير العديد من الدول، و من بينها المغرب، خاصة مع فترة “الإنتقال الديموقراطي”، بعد 2011، حيث اختار المغرب التحول نحو بناء دولة ديموقراطية، يسودها الحق و القانون، و مثل هذا الإختيار دستور 2011، الذي تضمن مبادئ و حقوقا لم تكن مألوفة، و لا منصوص عليها في دساتير 1962 و 1970 و 1972 و 1992 و 1996.
ومن أهم المبادئ الواردة في دستور 2011، نجد ما يلي:
-التراتبية القانونية؛
-فصل السلطات؛
-مبدأ المساواة أمام القانون؛
-الحقوق و الحريات الأساسية؛
-إستقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية و التنفيذية؛
-الحق في التقاضي؛
-حقوق الدفاع و الحق في محاكمة عادلة؛
-مبدأ الأمن القضائي؛
-الرقابة الدستورية السياسية أو القبلية على القوانين؛
-الرقابة الدستورية البعدية أو الفرعية على القوانين، (معطلة من طرف الحكومة والبرلمان).
هذه المستجدات الدستورية، اعتبرها قسم واسع من الفقه الدستوري، بأنها تشكل مؤشرا على إنتقال المغرب إلى مرحلة بناء دولة القانون، وفق المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
فإلى جانب التشريع الدولي، الذي أولى حماية لحقوق الدفاع و الحق في التقاضي، و الحق في محاكمة عادلة، انخرط المغرب في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، و من أهمها، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية لسنة 1966.
وهكذا نص دستور 2011، صراحة على دسترة “حقوق الدفاع” و “الحق في التقاضي”، و “الحق في محاكمة عادلة”، كما هو ثابت من الفصلين 120/ف1   و  118/ف1 من الدستور.
و من أجل مقاربة موضوع المرجعية الدستورية لحقوق الدفاع  و الحق في التقاضي، ارتأينا أن نتطرق إلى المرجعية الدستورية لحقوق الدفاع (I)، ثم إلى المرجعية الدستورية للحق في التقاضي (II)، و هما معا يعتبران من مقومات المحاكمة العادلة.
I)- المرجعية الدستورية لحقوق الدفاع:
إن حقوق الدفاع تستمد مرجعيتها من القوانين الوطنية، ومن التشريعات الدولية، ولا يجب أن تفهم حقوق الدفاع بأن نطاقها هو القوانين الإجرائية الجنائية، بل تشمل أيضا القوانين الإجرائية المدنية والإدارية والتجارية، و كذا القانون المنظم لمهنة المحاماة، إضافة إلى القوانين الموضوعية.
بالنسبة للمرجعية الدولية المؤطرة لحقوق الدفاع، نجد المواد 7 و 8 و 10 و 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948([2])، المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية لسنة 1966 ([3])، و المادة 48 من ميثاق الحقوق الأساسية للإتحاد الأوروبي، والإتفاقية الأوربية المتعلقة بحقوق الإنسان (المادة 6).
وللإشارة، فقد أكدت المادة 16 من إعلان حقوق الإنسان و المواطن في فرنسا إبان الثورة الفرنسية المؤرخ في: 26/08/1789 على حقوق الدفاع، و الإعلان المذكور، يعتبر مبدأ دستوريا في فرنسا، ورد صراحة في تصدير دستور الجمهورية الخامسة، المؤرخ في 04/10/1958 ([4]).
وهكذا، جاء في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية “الناس جميعا سواء أمام القضاء، و من حق كل فرد لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه و إلتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف و علني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون”.
وحقوق الدفاع يجب أن تستغرق جميع القوانين، سواء كانت إجرائية أو موضوعية، وهو ما يعني بأنه ليس نطاقها قانون المسطرة المدنية أو قانون المحاماة، أو قانون السلطة القضائية، ولذلك فإن القواعد الناشرة لحقوق الدفاع قد ترد في القوانين الإجرائية أو في القوانين الموضوعية.
ومن المعلوم أن القوانين، تنقسم إلى قوانين تبين حقوق الأشخاص، و تحدد كيف ينشأ الحق و كيف ينقضي، أي القوانين المقررة للحقوق، كالقانون المدني و التجاري و العقاري، وقوانين تبين المسطرة التي يتعين مباشرتها للدفاع و حماية تلك الحقوق، أي قانون الشكل([5]) والعديد من مقتضيات القوانين الإجرائية المدنية تتعلق بالنظام العام([6])، خاصة تلك المتعلقة بالمبادئ الأساسية في التقاضي، كمبدأ علانية الجلسات، طرق الطعن في الأحكام و آجالها   وتنفيذ الأحكام ([7]).
ومن أهم حقوق الدفاع، نجد الحق في توكيل محام، و الحق في الإطلاع على أوراق الملف، الحق في الطعن، الحق في محاكمة عادلة، وهي بذلك تعرف بأنها مجموعة من الضمانات المخولة للمتقاضين من أجل حماية حقوقهم خلال جريان الدعوى، الأمر الذي يعني بأن حقوق الدفاع هي من الحقوق الأساسية ذات قيمة دستورية، نطاقها قانون المسطرة الجنائية، وتوسعت لتشمل جميع القوانين الإجرائية الأخرى، و كذا القوانين الموضوعية.
إن المشرع، لم يعرف حقوق الدفاع، و هو الأمر الذي تولاه الفقه، و جاء في تعريف الفقيه إدريس العلوي العبدلاوي، للحق في الدفاع بأنه “كل ما يخوله القانون للخصم من وسائل في الخصومة لتكوين الرأي القضائي لصالحه، توصلا إلى الحكم لصالحه في النهاية” ([8]).
ومن جهة أخرى، عرف الفقيه المصري عزمي عبد الفتاح، حق الدفاع، بأنه  “حق الخصم في أن يسمع القاضي وجهة نظره، فإذا أصدر القاضي حكمه دون سماع الخصم الآخر، أو تمكينه على الأقل من إسماع القاضي دفاعه كان الحكم مشوبا بالإخلال بحق الدفاع” ([9]).
إن حقوق الدفاع تندرج ضمن مجال حقوق الإنسان، وسلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، هي سلطة تقديرية مقيدة بقيود دستورية، بحيث أنه لا يوجد تناقض بين حق الدفاع كحق دستوري أصيل، و بين تنظيمه تشريعيا بشرط ألا يتخذ المشرع هذا التنظيم وسيلة لتقييد أو إعاقة هذا الحق أو إهداره ([10]).
وجاء في المادة 198 من الدستور المصري أن “المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة و سيادة القانون، و كفالة الحق في الدفاع و يمارسها المحامي مستقلا”.
II)- المرجعية الدستورية للحق في التقاضي:
إذا كانت حقوق الدفاع هي من الحقوق الدستورية الأساسية للإنسان، فإنه لا يجوز الإنتقاص منها أو التضييق عليها أو تعطيلها بمقتضى تشريعات غارقة في عيوب عدم الدستورية، فالمشرع مطالب بأن يحقق التوازن بين حقوق الأفراد و حرياتهم، و بين مصالح الدولة، فإن نفس المبادئ تؤطر و تحكم الحق في التقاضي الذي يعتبر مبدأ دستوريا، ورد صراحة في الفصل 118/فقرة 1 من دستور 2011، وجاء فيه: “حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه و عن مصالحه التي يحميها القانون”.
إن دسترة الحق في التقاضي، يترتب عنه ضمانه، بموجب التشريعات النافذة في الدولة، و عدم جواز مخالفتها للمبدأ الدستوري المذكور، تضييقا أو نقصانا، أو بالتوسع فيها، تحت طائلة شبهة عدم الدستورية، لأنه حق دستوري أصيل، يحظر التعدي عليه بأي وسيلة، سواء كانت تشريعية  أو تنفيذية، لأن حق التقاضي يكفله الدستور، و يتولى القانون تنظيمه في الحدود التي رسمها الدستور.
ما معنى الحق في التقاضي؟ وما هي مرتكزاته؟
إن الحق في التقاضي، يتمثل في الإمكانية المخولة لكل شخص في اللجوء إلى القضاء لطلب الحماية القانونية والدفاع عن مصالحه و حقوقه التي يحميها الدستور.
وبناء عليه، نعتقد بأن النص على حق التقاضي في الدستور، لا يجب أن يكون موضوع إنكار أو تقييد تشريعي، لأن حق التقاضي يعتبر من الحقوق العامة التي يكفلها الدستور، ومن أهمها مبدأ المساواة في التقاضي بين المواطنين، لأنه لا يجوز حرمان طائفة معينة من المواطنين من حق التقاضي في ظل وجود منازعة تمس بحقوقها وبمراكزها القانونية، الأمر الذي يشكل تعديا على مبدأ المساواة أمام القانون لحرمانها من حق التقاضي، وهو المبدأ الذي أكدت عليه المحكمة الدستورية العليا في مصر([11])، في العديد من قراراتها و بشكل متواتر.
وهكذا، فالسلطة التشريعية لا تملك الحق في الإعتداء على مبدأ حق التقاضي، لكونه مبدأ دستوريا، لأن التضييق من الحق في التقاضي بمقتضى قوانين إجرائية أو موضوعية، يصدرها المشرع، يشكل إعتداء على مبدأ سيادة القانون، و على مبدأ الفصل بين السلطات.
ولذلك فكل نص تشريعي يخالف النص الدستوري هو نص باطل، وغير دستوري، لمخالفته القواعد الدستورية التي تحميه، و لذلك فإن الأصل في التشريع أن لا يقيد الإجراءات في التقاضي، أو وضع عراقيل أمام المتقاضين عن طريق جزاءات مالية   أو غيرها من القيود.
و من أهم الضمانات المقررة في الدستور المغربي للحق في التقاضي، نجد ما يلي:
مبدأ فصل السلط (الفصل 1)؛
مبدأ دستورية القواعد  القانونية، و تراتبيتها (الفصل 6)؛
مبدأ إستقلال القضاء (الفصل 107)؛
مبدأ حياد و إستقلال القضاء (الفصل 109)؛
مبدأ الأمن القضائي (الفصل 117)؛
مبدأ الحق في محاكمة عادلة (الفصل 120)؛
مبدأ مجانية التقاضي (الفصل 121)؛
مبدأ علانية الجلسات (الفصل 123)؛
الحق في صدور أحكام داخل آجال معقولة و في ممارسة الطعون (الفصل 120)؛
الحق في جبر الأضرار المترتبة عن الأخطاء القضائية (الفصل 122)؛
الحق في تنفيذ الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء (الفصل 126).
وهكذا يستخلص من المبادئ الدستورية أنها تتكامل فيما بينها، لكونها تشكل ضمانة أساسية لحماية الحقوق و الحريات، و من بينها حقوق الدفاع و الحق في التقاضي و الحق في محاكمة عادلة، التي تعتبر مبادئ دستورية ملزمة للسلطة التشريعية، و السلطة القضائية  و السلطة التنفيذية (أي لجميع السلطات).
ولما كانت القواعد الدستورية تحتل المكانة الأسمى في الهرم القانوني، وبأن الإتفاقيات الدولية تعلو على القوانين الوطنية بعد المصادقة عليها و نشرها بالجريدة الرسمية، وبعد معاينة عدم تعارضها مع الدستور، يتعين على المشرع مراعاة هذه القواعد في تشريعه، بما يكفل و يحقق التكامل والتعاون بين القانون الدستوري والقوانين الإجرائية و الموضوعية من جهة، ومع الإتفاقيات الدولية من جهة ثانية، و ذلك من أجل ضمان إنتاج وإصدار منظومة تشريعية وطنية تتسم بالأمن القانوني كمدخل يكفل تحقيق الأمن القضائي.
إن حقوق الدفاع والحق في التقاضي يكتسيان حصانة دستورية ([12])، في ظل سيادة حكم القانون، واحترام تراتبية القوانين، وهو المبدأ الذي أكد عليه دستور 2011، بحيث أصبح مبدأ سيادة القانون مرادف لمبدأ المشروعية.
ولكن، لا معنى لمبادئ سيادة القانون، والتراتبية القانونية، والأمن القضائي، إذا لم يتم توفير الآليات المؤسساتية والتشريعية لحمايتها، وهو المبدأ الذي ينسحب أيضا على مبدأ حقوق الدفاع و الحق في التقاضي والحق في محاكمة عادلة المنصوص عليها دستوريا.
إن الفصل 118/ف2 من الدستور ينص: “كل قرار اتخذ في المجال الإداري، سواء كان تنظيميا أو فرديا، يمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة”.
إن الفصل 118 من الدستور، ينص على مبدأين أساسين، وهما: مبدأ الحق في التقاضي، و مبدأ عدم تحصين أي قرار أو عمل إداري من رقابة القضاء، ليكون بذلك المشرع الدستوري قد عمل على دسترة دعوى الإلغاء أو دعوى المشروعية لأول مرة في النظام  الدستور المغربي.
إن المشرع الدستوري، و إلى جانب تقرير حق التقاضي للأشخاص كافة (مادية  أو اعتبارية)، كمبدأ دستوري أصيل، نص أيضا على مبدأ حظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء ([13])، و كذا عدم جواز إصدار قوانين تتضمن مقتضيات مخالفة للدستور، احتراما لمبدأ سمو الدستور الذي يعتبر من المبادئ الملزمة ([14])، لأن تحقيق الأهداف الواردة في الدستور يجب أن يتم دون الإخلال بالمبادئ الدستورية ([15])، أي أن مراقبة دستورية القوانين – شكلا و جوهرا- تستلزم إستحضار المقاصد التي ابتغاها الدستور ([16])، سواء بالإنتقاص أو بالتوسع أو بإضافة قاعدة جديدة.
وحقوق الدفاع والحق في التقاضي، هي من الحقوق المتداخلة والمتشابكة، يصعب فصلها عن بعضها البعض، نظرا لوحدة الهدف المتمثلة في حماية حقوق المتقاضين أمام جميع المحاكم، و هو الأمر الذي يستفاد من أحكام الفصلين 118 و 120 من الدستور، الأول يتعلق “بحق التقاضي”، والثاني نطاقه “حقوق الدفاع”، فهما معا ينظمان حقا من حقوق الإنسان، و يتكاملان فيما بينهما، عملا بالمبدأ الذي قررته المحكمة الدستورية بتأكيدها “أن الدستور متكامل في مبادئه و أهدافه و شروطه” ([17])، مما لا يجوز للمشرع مخالفة المبدأ المذكور.
ثانيا: حقوق الدفاع و الحق في التقاضي في قضاء المحكمة الدستورية:
إن الحق في التقاضي و حقوق الدفاع، و الحق في محاكمة عادلة، هي من الحقوق المضمونة بموجب الفصلين 118 و 120 من الدستور، يحق لكل شخص (مادي  أو اعتباري) الدفاع عن حقوقه، و عن مصالحه التي يحميها القانون. وفي هذا الإطار تعتبر الدعوى هي الوسيلة القانونية التي أقرها المشرع الدستوري، لكل شخص اللجوء إلى القضاء، لحماية والدفاع عن حقوقه من الإعتداء عليها أو المطالبة بها ([18])، كما سبق وأن أوضحنا بأن “حقوق الدفاع” و”الحق في التقاضي”، نطاقهما جميع المنازعات التي تعرض على المحاكم، بجميع أنواعها و درجاتها، سواء كانت محاكم مدنية  أو جنائية،  أو إدارية، أو تجارية (…).
وهكذا يستخلص من عمل المحكمة الدستورية، أنها قررت عدة مبادئ مستمدة من أحكام الدستور، و تتعلق بضمانات ممارسة الحق في التقاضي وحقوق الدفاع، التي تشمل “ضمانات إحترام حقوق الدفاع”(I)، و “ضمانات إحترام شروط المحاكمة العادلة” (II).
I)- في ضمانات إحترام حقوق الدفاع:
من أهم الضمانات الدستورية المتعلقة بحقوق الدفاع، التي وردت صراحة في قرارات المحكمة الدستورية، نجد من أهمها ما يلي:
-ضمان مبدأ التكافؤ بين سلطتي الإتهام و الدفاع([19])، (حق الإطلاع و الحصول على الوثائق المدرجة في ملف الإتهام)؛
-ضمانات ممارسة حقوق الدفاع بإعطاء محامي المتهم و الطرف المدني الحيز الزمني الكافي لإعداد دفاعهم([20])؛
-ضمانات حق التقاضي بإعفاء الطاعن من تضمين عريضة الطعن في الإنتخابات عنوان المنتخب المنازع في إنتخابه ([21]).
-ضمانات حق التقاضي بإعفاء الطاعن من وجوب تقديم عريضته من طرف المحامي في المادة الإنتخابية ([22])، هذا المبدأ جدير بالملاحظة و الدراسة المتبصرة.
II)- ضمانات إحترام شروط المحاكمة العادلة، و عدم الجواز للمشرع بإضافة قاعدة قانونية جديدة من شأنها تغيير القاعدة الدستورية:
-مراعاة مبدأ التناسب بين العقوبة و المخالفة ([23])؛
-إحاطة قرار العزل من مسؤولية انتدابية بالضمانات القضائية([24]) (الحق في الترشح)؛
مراعاة مبدأ التوازن بين حسن سير التحقيق و حسن ممارسة حقوق الدفاع ([25])، و صدر قرار في إطار مراقبة المحكمة الدستورية أحكام القانون رقم: 01-129 القاضي بتغيير المادة 139 من قانون المسطرة الجنائية، و جاء فيه: “إن إمتداد مفعول الأمر بعدم تسليم محضر الشرطة القضائية و باقي وثائق الملف، كليا أو جزئيا إلى محامي المتهم و محامي الطرف المدني، وعدم إنتهائه إلا عشرة أيام قبل بدء الإستنطاق التفصيلي، من شأنه أن يخل بمبدأ التوازن بين حسن سير التحقيق و حسن ممارسة حقوق الدفاع، الذي يعد من ضمانات المحاكمة العادلة، مما يجعل القانون رقم: 129.01 المذكور، من هذه الوجهة غير مطابق للدستور”.
-إحاطة مسطرة الجزاءات بأقصى الضمانات؛

ولما كانت حقوق الدفاع و الحق في التقاضي و الحق في محاكمة عادلة، مبادئ دستورية، فإن عملية التشريع يجب أن تتم في إطار إحترام كامل للمبادئ الدستورية، و هكذا أكدت المحكمة الدستورية أنه يتعين على المشرع بمناسبة إصدار قوانين، إحترام المبادئ التي لها قيمة دستورية ([26])، و إحترام المبادئ الرامية إلى صيانة الحقوق و الحريات الأساسية ([27])، و من ضمنها حق التقاضي المضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه و مصالحه التي يحميها القانون، و حقوق الدفاع، المنصوص عليها على التوالي في الفصلين 118 و120 من الدستور.
كما أن المشرع ملزم بإحترام القواعد الدستورية، وذلك بالحرص على عدم إضافة قاعدة جديدة من شأنها تغيير القاعدة الدستورية نفسها ([28])، كما لا يحق للمشرع تعطيل نفاذ قانون بقانون جديد ([29])، تطبيقا لأحكام الدستور، (حالة المادة 9 من قانون المالية لسنة 2020 المتعلقة بتنفيذ الأحكام القضائية ضد الدولة و الجماعات الترابية، التي عطلت مقتضيات الفصل 126 من الدستور).
كما أنه يتعين على المشرع أن يتجنب الإغفال التشريعي، أي بسكوت أو امتناع المشرع بتنظيم الموضوعات التي تدخل ضمن اختصاصه، و ذلك إما عمدا أو إهمالا، مما يؤدي إلى الإخلال بالضمانات الدستورية للموضوع محل التنظيم ([30]).
وتجنب إضفاء صيغة الديمومة على تدابير إستثنائية، و جوب تطابق القواعد القانونية مع الأهداف المتوخى منها في الدستور، حظر التمييز و الإخلال بمبدأ المساواة، وعدم رجعية القوانين.
ثالثا: حقوق الدفاع و الحق في التقاضي في ضوء العمل القضائي لمحكمة النقض  ومحاكم الموضوع:
تعتبر محكمة النقض أعلى هيئة قضائية في المملكة، تتمثل وظيفتها في مراقبة العمل القضائي للمحاكم، ومعاينة مدى تقيدها بحسن تطبيق القانون، تطبيقا سليما، على المنازعات المعروضة عليها، ومن أهدافها توحيد العمل القضائي، بمناسبة النظر في الطعون بالنقض ضد الأحكام و القرارات الإنتهائية ([31])، ولذلك “فإن قاضي النقض هو قاضي القانون”.
وهكذا، سنتولى عرض بعض المبادئ التي تدخل ضمن حقوق الدفاع، والحق في التقاضي، من خلال العمل القضائي لمحكمة النقض ولمحاكم الموضوع.
لما كان مبدأ حقوق الدفاع والحق في التقاضي من المبادئ الدستورية، فهي جديرة بالحماية القضائية، وهكذا ورد في قرارات محكمة النقض ومحاكم الموضوع ما يلي:

  • عدم تمتيع الطاعن بالضمانات التأديبية المنصوص عليها في القانون، يعتبر خرقا لحق الدفاع الذي يعتبر من المبادئ العامة للقانون (حكم المحكمة الإدارية                 
  •  بالدار البيضاء، عدد: 322 بتاريخ: 14/06/2004).
  • عدم تنصيص القانون الداخلي لمؤسسة عمومية على إمكانية تنصيب المستخدم المتابع تأديبيا لمحام قصد الدفاع، لا يعني هذا حرمانه من حق الدفاع، مادام هذا الحق من المبادئ العامة التي تسمو عل القوانين الداخلية (حكم المحكمة الإدارية بالرباط، رقم: 581 بتاريخ: 11/06/1998، ملف رقم: 1310/97).
  • عدم تبليغ المحكمة للمذكرة الجوابية المرفقة بوثائق حاسمة إلى الطرف الخصم، يجعلها خارقة للحق في الدفاع، مما يترتب عن ذلك نقض القرار المطعون فيه، (قرار محكمة النقض عدد: 733 بتاريخ: 06/05/2009، ملف تجاري عدد: 489/3/2/2007).
  • عدم عرض وثيقة مدرجة بملف القضية على أطراف الدعوى لتحديد موقفهم بشأنها، تعتبر بمثابة خرق لحق من حقوق الدفاع الموجبة للنقض (قرار المجلس الأعلى عدد: 844 بتاريخ: 27/05/2009، ملف تجاري عدد: 241/3/2/2007).
  • إذا تقرر إخراج الملف من المداولة و أعيد إدراجه بالجلسة وجب على المحكمة أن تستدعي الأطراف من جديد و تتحقق من توصلهم بالإستدعاء تحت طائلة النقض، (قرار المجلس الأعلى عدد: 310 المؤرخ في: 14/03/2007، ملف تجاري عدد: 327/3/1/2005).

رابعا: قراءة و تقييم للمقتضيات المتعلقة بحقوق الدفاع والحق في التقاضي والحق في محاكمة عادلة الواردة في مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02 في ضوء المبادئ الدستورية:

سنحاول في هذا الفرع من الدراسة، مساءلة مدى تطابق الأحكام الواردة في مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02 ذات الصلة “بحقوق الدفاع و الحق في التقاضي والحق في محاكمة عادلة” مع المبادئ الدستورية المؤطرة لتلك الحقوق.

إن “حقوق الدفاع و الحق في التقاضي و الحق في محاكمة عادلة” هي من الحقوق التي يحميها الدستور (الفصلين 118 و 120 من الدستور)، و نصت عليها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية)، والتي صادق عليها المغرب و تم نشرها بالجريدة الرسمية.

ولذلك فالمشرع وبمناسبة مناقشة ثم التصويت و الموافقة على مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02، ملزم بأن يستحضر المبادئ الدستورية في نصوصه، و أن يتأكد من عدم تعارضها مع أحكام الدستور، تحت طائلة عدم الدستورية، و بأنها تتلاءم مع الإتفاقيات والمعاهدات الدولية.

والطعن في عدم دستورية القانون، يكون إما بصفة قبلية بعد المصادقة عليه، و قبل إصدار الأمر بتنفيذه، و في هذه الحالة نكون أمام رقابة سياسية قبلية، يمارسها أصحاب الصفة، أو بصفة آلية، إذا تعلق الأمر بالقوانين التنظيمية، التي تخضع للرقابة الدستورية الإجبارية ([32])، أو تكون لاحقة لإصدار القانون، وهي ما تعرف بالرقابة القضائية البعدية، أو الدعوى الدستورية الفرعية، المنصوص عليها في الفصل 133 من الدستور، و هي موضوع مشروع القانون التنظيمي رقم: 15-86 “المتعلق بتحديد شروط و إجراءات الدفع بعدم دستورية قانون”، و الذي لم يصدر بعد، لأسباب سياسية و مالية، رغم عرضه على المحكمة الدستورية في مناسبتين، و هو ما ينم عن تعطيل الحكومة و البرلمان لوسيلة دفاعية جوهرية لمواجهة النصوص القانونية غير الدستورية، و لذلك نرى من الضروري التطرق إلى الشروط المؤطرة لمسطرة إحالة القوانين العادية على المحكمة الدستورية (I)، ثم مناقشة حدود السلطة التقديرية للمشرع لما يتعلق الأمر بتنظيم الحقوق و الحريات (II).

  1. الشروط المؤطرة لإحالة القوانين العادية على المحكمة الدستورية:

مع دستور 1992، تم تبني حق الإحالة الإختيارية للقوانين العادية على القضاء الدستوري، و هو المبدأ الذي ورد أيضا في دستور 1996، ثم في دستور 2011، في الفصل 132، و يتعلق الأمر بإحالة القوانين التي صوت ووافق عليها البرلمان، و قبل إصدار الأمر بتنفيذها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور.

وهكذا، فالإحالة الإختيارية، مقررة لإصحاب الصفة، وهم: الملك، رئيس الحكومة، رئيس مجلس النواب، رئيس مجلس المستشارين، خمس أعضاء مجلس النواب،   أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، و يتم البت فيها داخل أجل شهر، غير أن هذا الأجل يخفض في حالة الإستعجال إلى ثمانية (8) أيام بطلب من الحكومة.

ومن المقرر قانونا، أن الإحالة لا تمثل طعنا في القوانين، بل هي مجرد “إحالة”،   لا تستوجب أن تستند إلى حجج ووسائل طعن، لأن المحكمة الدستورية تمارس في هذه الحالة رقابة سياسية قبلية على القانون في جوانبه الشكلية و الموضوعية.

ومن جهة ثانية، إن الإحالة و إن لم تستند إلى حجج ووسائل طعن، فإن ذلك لا يرتب جزاء عدم القبول، بالنظر إلى عدم وجود نص دستوري أو قانوني يقضي بذلك، ما دام أن الأمر يتعلق بإحالة و ليس بطعن ([33]).

إن المشرع الدستوري، لم يشترط أن تكون رسالة الإحالة معللة بأسباب، بل أن الإحالة لتكون مقبولة، يجب أن تكون في شكل رسالة مكتوبة، و أن تقدم من طرف أصحاب الصفة، و أن تتوفر على النصاب الدستوري لما تكون صادرة عن أعضاء البرلمان، و أن تكون موقعة، و يتعين توجيها إلى رئيس المحكمة الدستورية ([34]).

لكن، ورغم عدم و جود نص دستوري يقضي بوجوب تعليل رسالة الإحالة على المحكمة الدستورية، إلا أن المادة 25 من القانون التنظيمي رقم: 13/066 المتعلق بالمحكمة الدستورية، ورد فيها بأنه يمكن لرئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين أو أعضاء البرلمان، أن يدلوا إلى المحكمة الدستورية بما يبدوا لهم من ملاحظات كتابية.

وهكذا يلاحظ بأن المشرع استعمل كلمة “يمكن” و ليس “يجب” و هو ما يتوافق مع مضمون الإحالة المنصوص عليها في الدستور (الفصل 132/فقرة 3)، أي أن تعليل الإحالة ليس بشرط وجوبي بل إختياري، مما يجوز لأصحاب الصفة إحالة مشروع القانون دون تعليل على المحكمة الدستورية من أجل البت في دستورية القانون في جوانبه الشكلية  والموضوعية.

II-حدود السلطة التقديرية للمشرع في مجال تنظيم الحقوق و الحريات:

من المعلوم أن الحكومة ملزمة بأن ترفق مشاريع القوانين الرامية إلى سن تشريع جديد أو مراجعة تشريع قائم بدراسة حول آثارها، و ذلك تطبيقا لأحكام المادة 19 من القانون التنظيمي رقم: 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها.

ويلاحظ بأن الحكومة لم تتقيد بأحكام المادة 19 أعلاه، بمناسبة إعداد مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02،لأن الغاية من دراسة الآثار القانونية و الإقتصادية و المالية   والإجتماعية و الإدارية، هي لتفادي التضخم في سن النصوص، و كذا عدم استقرار القانون، و عدم اضطراب الإجتهاد القضائي.

ومن جهة ثانية، يجب على الحكومة ملائمة مشروع قانون المسطرة مع التشريعات الوطنية (من أهمها القانون رقم: 28.08 المنظم لمهنة المحاماة)، والإتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب أو إنضم إليها، مع وجوب القيام بالمشاورات القبلية مع الأطراف  ومع المؤسسات المعنية بمشروع قانون المسطرة المدنية، و هو المبدأ الذي تنكرت له الحكومة ضدا على مقاصد الديموقراطية التشاركية.

إن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق والحريات أنها سلطة تقديرية، ما لم يفرض الدستور على ممارستها قيودا لا يجوز تخطيها لضمان أن يكون الإنتفاع بتلك الحقوق مقيدا و فعالا.

ولقد اعتبر المجلس الدستوري المغربي، أن السلطة التقديرية للمشرع يجب أن لا تتسم بالخطأ البين في التقدير، وهو ما يعني بأن القضاء الدستوري لا يراقب إختيارات المشرع، بل أن عمله يقتصر على مراقبة التشريع في ضوء الدستور ([35]) (شكلا و موضوعا).

وفي جميع الأحوال، كل تأويل للدستور، يجب أن يكون تأويلا ديموقراطيا، تراعى فيه المبادئ و القواعد الدستورية المؤطرة للحقوق و الحريات، و التي لا يجوز مخالفتها،  و ألا تنفصل النصوص القانونية عن الأهداف التي يتوخاها المشرع الدستوري، و من أهمها المصلحة العامة، و ضمان الأمن القانوني الذي يعتبر رافعة للأمن القضائي.

ومن المعلوم أن المطابقة القانونية لنص تشريعي مع الدستور، تعتبر مسألة جوهرية ملزمة للمشرع، بحيث أنه ملزم بأن يحترم كل مشروع قانون المبادئ التالية ([36]):

  • تراتبية القواعد القانونية؛
  • المطابقة مع أحكام الدستور؛
  • الملائمة مع الإتفاقيات و المعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب، و تم نشرها بالجريدة الرسمية؛
  • التقارب مع قوانين الإتحاد الأوروبي.

إن عدم إحترام هذه القواعد في النص التشريعي، سيترتب عنه لا محالة إصدار قانون يتسم بإضطراب دستوري و قانوني، يمثل وبحق تقصيرا أو عوارا تشريعيا، يتطلب زوال النصوص غير الدستورية، وهو المبدأ الذي ينسحب على مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02، كما يتبين من الجدول التفصيلي في هذه الدراسة.

إن مبدأ سيادة وسمو الدستور، يعني وجوب خضوع السلطة التشريعية لأحكام الدستور، والتشريع في إطاره، دون مخالفة مبادئه وقواعده، لأن سلطة المشرع، لا يمكن أن تكون سلطة تقديرية مطلقة، بل هي سلطة تقديرية مقيدة بأحكام الدستور.

إن السلطة التقديرية للمشرع ليست مطلقة، بل مشروطة وجوبا بعدم مخالفتها للدستور، أي أنها سلطة مقيدة بالقواعد الدستورية يجب أن لا يعتريها خطأ في التقدير.

أنه بالرجوع إلى مواد مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02، يتبين بأن المشرع و ان كان مفوض له بموجب الدستور، ممارسة السلطة التشريعية (الفصل 70 من دستور 2011)، إلا أن ذلك يجب أن يتم وفقا لأحكام الدستور، و لا حق للبرلمان بأن يتوغل في مجال الدستور، بإضافة قواعد قانونية جديدة أو تغيير  مضامين  القاعدة الدستورية، فمثلا، مبدأ المساواة أمام القانون كمبدأ دستوري، تم التعدي عليه بشكل ظاهر، لما عمد المشرع إلى “تقييد” حق التقاضي والحق في مباشرة الطعن بالإستئناف أو النقض، كما أنه أقام تمييزا بين المقاضين بسبب مراكزهم الإجتماعية، وأحدث تفاضلا بين الأشخاص المعنوية العامة من جهة، و الأشخاص  المعنوية الخاصة أو الأفراد من جهة أخرى، في تنفيذ الأحكام القضائية النهائية، بحيث أنه منح وضعا خاصا و إمتيازا للأشخاص المعنوية العامة، في تنفيذ  الأحكام القضائية الصادرة ضدها، وهو ما يتعارض مع أحكام الفصل 126 من الدستور.

وهكذا، سنتولى عرض المقتضيات الواردة في مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02، والتي لها اتصال مباشر أو غير مباشر بحقوق الدفاع و الحق في التقاضي، والحق في محاكمة عادلة والموسومة بعيوب عدم الدستورية.

خامسا: عدم دستورية المواد المنصوص عليها في مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02 لتعارضها مع “حقوق الدفاع و الحق في التقاضي و الحق في محاكمة عادلة” بوصفها مبادئ دستورية:

يعتبر قانون المسطرة المدنية أو قانون المرافعات المدنية أو قانون الشكل، هو القانون العام للإجراءات القضائية و غير القضائية، غايته حماية حقوق الأشخاص المادية والإعتبارية، وهو بذلك يمثل القانون الذي يحدد حقوق المتقاضين، وواجباتهم أثناء التقاضي، وهو فرع من فروع القانون الخاص، لكن إذا نظر إليه بوصفه ينظم وظيفة عامة للدولة، فهو في هذه الحالة فرع من فروع القانون العام ([37]).

لكن، ومهما اختلفت التسميات في الأنظمة القانونية، إلا أن قانون المسطرة المدنية يظل هو الشريعة العامة للتقاضي، الذي ينظم الإجراءات القضائية وغير القضائية، يبين كيفية توزيع الإختصاص بين جهات القضاء المختلفة، ويرسم القواعد المتعلقة برفع الدعاوى، والشروط الواجب توفرها في المقالات والطلبات، وبيان كيفية إدارة الدعوى،  وآجال تقديم الدفوع والطعون، وكيفية إصدار الحكم وشروطه، وتحديد شروط تنفيذ الأحكام القضائية والإشكالات التي قد تعتريها.

ومن المعلوم أن الدستور يتكامل في مبادئه وأهدافه، ولذلك لا يجوز للمشرع أن يصدر تشريعات تتعارض مع المبادئ والأهداف المنصوص عليها في الدستور، والملاحظ بأن مشروع قانون المسطرة المدنية، أنه قيد حقوق الدفاع والحق في التقاضي، والحق في محاكمة عادلة، لما عمد إلى استحداث نصوص تحد من الحق في الولوج إلى العدالة، و إقامة تمييز بين المتقاضين، وتعطيل تنفيذ الأحكام القضائية النهائية الصادرة ضد أشخاص القانون العام، هذه الحالات و غيرها، تؤكد قيام مخالفة دستورية، لا يمكن تبريرها بمنطق، “السلطة التقديرية للمشرع”، لأن الأمر لا يتعلق بإختيار تدابير تشريعية مقررة في الدستور، مما يترتب على ذلك عدم دستوريتها. و من صلاحيات المحكمة الدستورية مراقبة مشروع قانون المسطرة المدنية عند إحالته عليها من طرف أصحاب الصفة، لأن الدستور يتسم بالسمو على جميع القوانين، لذلك من الواجب تطبيقه نصا وروحا، وهو المبدأ الذي يتعين على المحكمة الدستورية مراعاته بمناسبة نظرها في القضايا التي تعرض عليها ([38]).

ومن المعلوم أن القانون (La loi) لا يعبر عن الإرادة العامة، إلا بإحترام الدستور، والمبادئ ذات القيمة الدستورية ([39])، و هو المبدأ الذي أخذ به المجلس الدستوري الفرنسي.

وهكذا نخلص إلى أن بعض مواد مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02   لا  تتوافق مع أحكام الدستور، ولا تعبر عن الإرادة العامة و المصلحة العامة للمجتمع  أو الدولة، ولا تتلائم مع الإتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب وتم نشرها بالجريدة الرسمية، بل أن المشرع خالف تلك المبادئ إما بشكل معتمد، أو أنه إنزلق إليها بغير قصد، الأمر الذي يتطلب إنهاء المخالفات الدستورية من طرف المحكمة الدستورية، لأن تنظيم  وتحديد الحقوق والحريات وإن كان من ولاية المشرع، لكن ذلك يخضع للرقابة المباشرة للقضاء الدستوري ([40]).

وبناء عليه، سنتولى عرض أوجه المخالفات الدستورية التي تعتري بعض نصوص مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02، إما عمدا، أو إغفالا، أو تقصيرا، أو عن غير عمد، وذلك وفق التفصيل المبين أدناه.
سادسا: الجدول الكاشف لمواد مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02 المخالفة للقواعد و المبادئ الدستورية، مع تحديد فصول الدستور موضوع المخالفة الدستورية:

مواد مشروع قانون المسطرة المدنية

رقم: 23.02 المخالفة للدستور

فصول الدستور موضوع المخالفة الدستورية من طرف مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02 مع بيان الأسباب المرتبة لعدم دستوريتها

المادة 10 “(….) للمحكمة أن تحكم، تلقائيا أو بناء على طلب من النيابة العامة أو من أحد الأطراف، على كل من ثبت لها أنه يتقاضى بسوء نية، بغرامة لفائدة الخزينة العامة تتراوح ما بين 5.000,00 درهم                      و 10.000,00 درهم (…)”. -الفصل 118 من الدستور ينص “حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه و عن مصالحه التي يحميها القانون”.

– الفصل 120 ورد فيه “…حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم”.

و لذلك فإن النص على الغرامة المالية فيها ما يخالف الفصلين 118 و 120 من الدستور.

المادة 17 “يمكن للنيابة العامة المختصة،            و إن لم تكن طرفا في الدعوى، و دون التقيد بآجال الطعن المنصوص عليها في المادة السابقة أن تطلب التصريح ببطلان كل مقرر قضائي يكون من شأنه مخالفة النظام العام” (…). -الفصل 126: من الدستور ينص “الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع”.

-الفصل 06: ينص على مبدأ المساواة بين جميع الأشخاص ذاتيين و اعتباريين بما فيهم السلطات العمومية أمام القانون.

تعتبر دستورية القواعد القانونية، و تراتبيتها و وجوب نشرها مبادئ ملزمة، و ليس للقانون أثر رجعي.

خرق مبدأ التكافؤ و المساواة بين النيابة العامة و المتقاضين.

المادة 30 “مع مراعاة المقتضيات الخاصة، تختص المحاكم الإبتدائية بالنظر:

-إبتدائيا و إنتهائيا إلى غاية 30.000,00 درهم”.

– مخالفة أحكام الفصل 118/فقرة 1، التي تنص على أن حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه (…).

– مخالفة الفصل 120 الذي يحمي حقوق الدفاع أمام جميع المحاكم، و من أهمها حق التقاضي على درجتين.

المادة 31 “تختص المحاكم الإبتدائية بالنظر في القضايا التجارية التي لا تتجاوز قيمتها 80.000,00 درهم، كما تختص، في هذه الحدود، في جميع الطلبات المقابلة و طلبات المقاصة”. -مخالفة مقتضيات الفصلين: 118/ فقرة 1                  و 120 من الدستور، لأن حق التقاضي غير قابل للتقييد بموجب نص قانوني، و ذلك بإضافة قاعدة جديدة التي من شأنها تغيير القاعدة الدستورية نفسها.
المادة 32 “يمكن للطرف المتضرر من الحكم الصادر إبتدائيا و إنتهائيا وفق مقتضيات المادتين 30 أعلاه و 331 أدناه، طلب إلغائه أمام رئيس المحكمة الإبتدائية المختص، داخل أجل 15 يوما من تاريخ تبليغه بالحكم (…).

يبث الرئيس أو من ينوب عنه في الطلب بحكم غير قابل لأي طعن (…).

-المادة 32 من مشروع قانون المسطرة المدنية فيها تضييق لحق التقاضي و خرقا لحقوق الدفاع، و الحرمان من التقاضي على درجتين، مما تكوت معه شبهة عدم الدستورية ثابتة عملا بأحكام الفصول 117 و 118 و 120 من الدستور، نظرا لإضافة المشرع قاعدة جديدة غيرت و حرفت مضمون القاعدة الدستورية بتقييدها لحق التقاضي و لحقوق الدفاع.
المادة 62 “لا يمكن إثارة الدفوع بعدم القبول لأول مرة أمام محكمة الدرجة الثانية بإستثناء الأحكام الغيابية.

إذا انتهت المحكمة إلى الحكم بعدم قبول الدفع، و يتبين لها أن التمسك به لم يقصد منه إلا المماطلة و التسويف، أمكن لها الحكم على المتمسك به بغرامة لفائدة الخزينة العامة تتراوح ما بين 5.000,00 درهم                   و 10.000,00 درهم (…).

-عدم مراعاة مبدأ حق التقاضي يخالف أحكام الفصل 118 من الدستور.

– مخالفة مبدأ ممارسة حقوق الدفاع الذي يعد  من ضمانات المحاكمة العادلة، عملا بأحكام الفصل 120 من الدستور.

و بناء عليه تكون المادة 62 من مشروع قانون المسطرة المدنية غير مطابقة للدستور، نظرا لإنطوائها على إجراء يقيد الحقوق الدستورية.

المادة 76 “تقدم الدعوى أمام محاكم الدرجة الأولى، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، بمقال مكتوب يودع بكتابة ضبط المحكمة، مباشرة أو بطريقة إلكترونية و يكون مؤرخا و موقعا من قبل المدعي أو محاميه أو وكيل المدعي”. -إن المقالات و الطعون يجب أن تكون كتابية، تقدم بواسطة محام، و المدعي الذي لا يتوفر على موارد مالية للتقاضي من حقه  أن يتمتع بالمساعدة القضائية و هو المبدأ المنصوص عليه في الفصل 121 من الدستور.

-ان حسن تطبيق القانون و ضمان الأمن القضائي يقتضيان بأن ترفع الدعاوى                    و الطعون بواسطة محام، و ليس عن طريق وكيل المعدوم الصفة و المركز القانوني.

المادة 78 “يعتبر مكتب المحامي محلا للمخابرة معه و تبلغ إليه الإجراءات بإستثناء الأحكام التمهيدية القاضية بتحملات مالية                و الأحكام الفاصلة في الدعوى ما لم يتفق الطرفان كتابة على خلاف ذلك”. -لا يجوز إعتبار مكتب المحامي محلا للمخابرة إلا بموافقته، لأن الدعوى هي حق للمدعي، و هو ما يتعارض مع مهام المحامي المنصوص عليها في القانون رقم: 28.08 المنظم لمهنة المحاماة.

– اعتبار مكتب المحامي محلا للمخابرة، يعد مخالفة تشريعية لمفهوم الصالح العام، و عدم مراعاة الانسجام بين القوانين، لأن القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، و أن على الجميع الإمتثال له، و بذلك تكون المادة 78 من مشروع قانون المسطرة المدنية غير مطابقة للفصل 6 من الدستور.

المادة 93 “إذا أخل أحد الأفراد بالإحترام الواجب للمحكمة، جاز لرئيس الجلسة أن يحكم عليه بغرامة تتراوح ما بين 1.000,00 درهم 10.000,00 درهم، و لا يقبل هذا الحكم أي طعن”. -خرق مبدأ حق التقاضي على درجتين،                    و مخالفة مبدأ حقوق الدفاع، مما تكون معه المادة 93 من مشروع ق.م.م، غير مطابقة لأحكام الفصلين 118 و 120 من الدستور.
المادة 95 “تطبق أمام محاكم الدرجة الأولى قواعد المسطرة الكتابية، غير أن المسطرة تكون شفوية أمام المحاكم الإبتدائية في القضايا المشار إليها في المادة 96 أدناه”. مقتضى المادة 95 من مشروع ق.م.م، يتنافى مع القيم و المبادئ الدستورية الرامية إلى تعزيز حماية حقوق المتقاضين، من خلال تكريس مبدأ تعميم نظام المساعدة القضائية على من لا يتوفر على مواد كافية للتقاضي، مما تكون معه المادة المذكورة غير مطابقة للفصل 121 من الدستور الذي ينص على مبدأ مجانية التقاضي.
المادة 96 “تطبق مسطرة المناقشة الشفوية في القضايا التالية:

-القضايا التي تختص المحاكم الإبتدائية بالنظر فيها إبتدائيا و إنتهائيا طبقا للمادة 30 أعلاه؛

– قضايا الزواج و النفقة و الرجوع لبيت الزوجية، و الطلاق الإتفاقي و أجرة الحضانة؛

– القضايا المتعلقة بالحالة المدنية؛

– قضايا استيفاء و مراجعة الكراء؛

– القضايا الاخرى التي ينص عليها القانون.

-ان المادة 96 من مشروع ق.م.م، فيها ما يخالف أحكام الفصل 121 من الدستور، الذي يستوعب جميع القضايا المنصوص عليها في المادة أعلاه، و ذلك عن طريق إعمال نظام المساعدة القضائية، و هو ما يتكامل مع القانون رقم: 28.08 المنظم لمهنة المحاماة الذي يفوض للمحامين ممارسة حقوق الدفاع دون سواهم و هو ما يتوافق مع أحكام الفصل 120 من الدستور.

و بناء عليه، تكون المادة 96 أعلاه، غير مطابقة لأحكام الفصول 117 و 118 و 120 و 122 من الدستور.

المادة 99 “إذا استدعى المدعي أو المحامي أو وكيل المدعي، بصفة قانونية، و لم يحضر في الوقت المحدد، أمكن للمحكمة البت في الطلب إذا كانت تتوفر على العناصر الضرورية للفصل في الدعوى (…).

يجوز للمحكمة تأجيل القضية إلى جلسة مقبلة (…) إذا أشعرت برسالة من أحد الأطراف أو في الجلسة من أحد أقاربه                  أو جيرانه (…).

إن المادة 99 من مشروع ق.م.م، فيها إهدار صريح لحقوق الدفاع، و للقواعد العامة المؤطرة للمحاكمة العادلة، و مخالفة للأهداف و الغايات و المقاصد الدستورية، مما تكون معه المادة 99 غير مطابقة للفصلين 118 و 120 من الدستور.
المادة 256 “لا يتم سحب المبالغ أو الأشياء المودعة إلا بأمر من رئيس المحكمة أو من ينوب عنه:

– بناء على طلب يقدمه المودع له شخصيا؛

– بناء على طلب يقدمه وكيل المودع له بناء على توكيل خاص من هذا الاخير؛

– بناء على طلب يقدمه محامي، المودع له، متى كان المبلغ مودعا بحساب الودائع                و الأداءات.

– بناء على طلب يقدمه محام مرفق بتوكيل صادر عن المودع له.

– إن تحقيق الأهداف الواردة في الدستور، يجب أن يتم دون الإخلال بالمبادئ الدستورية.

و المادة 256 من مشروع ق.م.م فيها تعديا صريحا على صلاحيات المحامي و على الحقوق المكتسبة، و على القانون رقم: 28.08 النظم لمهنة المحاماة.

– إن التنصيص على أن طلب سحب المبالغ المالية، يجب ان يقدمه المحامي و هو مرفق بتوكيل صادر عن المودع له، و هذا المقتضى يتعارض مع القانون رقم: 28.08 أعلاه، و لا يسمح لمهنة المحاماة القيام بالمهام و الصلاحيات التي حددها لها الدستور و القانون، مما تكون المادة المذكورة غير مطابقة لأحكام الفصل 120 من الدستور.

المادة 259 “(….) تجري دائما محاولة الصلح بحضور الأطراف شخصيا، ما لم يتعذر ذلك لأسباب قاهرة و إلا أجريت، في غير حالات الطلاق و التطليق و التعدد، بواسطة وكلائهم أو محاميهم.

كما يمكن للمحكمة أن تسند إجراء الصلح إلى دفاع الأطراف أو الأشخاص أو المساعدين الإجتماعيين المؤهلين لهذه الغاية.

– إن مهنة المحاماة مهنة حرة، لا يجوز أصلا لغير المحامين مزاولتها؛ لذلك فإن الوكلاء غير مؤهلين الحلول محل المدعي أو المدعى عليه، لأنه عديم الصفة و المركز القانوني، و هو ما يعتبر تعديا على صلاحيات المحامي، لا يستقيم مع رسالة  المحاماة و مع الأهداف التي توخاها القانون المنظم لمهنة المحاماة، و هي حقوق كفلها الدستور و القانون للمحامين في تمثيل المتقاضين و الدفاع عنهم، لكن المادة 259 من مشروع ق.م.م، فيها إنكار و تعطيل لحقوق المحامين المكتسبة، مما تكون معه غير مطابقة لأحكام الفصول 6 و 117                و 118 و 120 و 121 من الدستور.
المادة 314 “يمكن للأطراف أن يمثلوا من طرف محام.

يمكن أيضا تمثيلهم، في حالة تعذر الحضور الشخصي بمقتضى إذن من المحكمة”.

إن المادة 314 من مشروع ق.م.م، تتضمن مقتضيات تعطل نفاذ مهنة المحاماة، و تحول دون مباشرة المحامين بوصفهم مؤهلين لتمثيل الأطراف في الدعوى و الدفاع عنهم.

إن هذا الشرط ينال من مهام المحامي المسندة إليه بموجب القانون رقم: 28.08،           و مجافيا لروح و جوهر رسالة المحاماة،              و معطلا آثارها، مناقضا لمبدأ حقوق الدفاع، و مخالفا بالتالي للفصل 120 من الدستور.

المادة 340 يحكم في حالة رفض طلب التجريح على من قيمته بغرامة لا تتجاوز 10.000,00 درهم أي بمناسبة تجريح قاض. – إن المادة 340 من مشروع ق.م.م، تخالف روح الفصلين 118 و 120 من الدستور، لأن التقاضي حق مضمون، و مكفول للناس كافة.

و المادة المذكورة لما نصت على ترتيب جزاء أداء غرامة عند رفض طلب تجريح قاض، يعتبر نوع من حظر التقاضي                  و مصادرة لحق دستوري، و من تم تكون المادة فيها ما يخالف الدستور يترتب عنها عدم دستوريتها.

المادة 353 “يعتبر مكتب المحامي محلا للمخابرة معه و تبلغ إليه الإجراءات، (….).

يعتبر كل إجراء بلغ إلى المحامي في حسابه الإلكتروني المعد لهذه الغاية أو عنوان بريده الإلكتروني صحيحا”.

– إن المادة 353 من مشروع ق.م.م، تخالف مبدأ الشرعية، لأنه لا يجوز اعتبار مكتب المحامي محلا للمخابرة دون موافقة صريحة منه.

– المادة المذكورة فيها تضييق و تعسف على المحامي، و تعديا على روح القانون رقم: 28.08 المنظم لمهنة المحاماة، مما تكون مخالفة الدستور ثابتة عملا بأحكام الفصلين 6 و 120 من الدستور.

المادة 375 “تختص محكمة النقض، ما لم ينص قانون على خلاف ذلك، بالبت في:

– الطعن بالنقض ضد المقررات الإنتهائية الصادرة عن جميع محاكم المملكة، بإستثناء القرارات الإستئنافية الصادرة في مادة فحص شرعية القرارات الإدارية،                 و الأحكام الصادرة في الطلبات التي لا تتجاوز قيمتها 80.000,00 درهم و في الطلبات المتعلقة بإستيفاء واجبات الكراء                و التحملات الناتجة عنه، و مراجعة الوجيبة الكرائية.

– يستفاد من المادة 375 من مشروع ق.م.م، أنها تحظر حق الطعن بالنقض بالنسبة لطائفة من المتقاضين، الأمر الذي ينطوي على مصادرة لحقهم في التقاضي، فضلا عن إهدار المادة المذكورة لمبدأ المساواة بين  المواطنين في الحقوق مما يخالف الفصول 6 و 118 و 120  من الدستور، و تبعا لذلك تكون المادة 375 غير دستورية، لكون التقاضي هو حق دستوري أصيل قرره الدستور بنص صريح.
المادة 376 “تقدم الدعاوى و الطعون المشار إليها في البنود 1 و 2 و 3 من المادة السابقة بواسطة مقال مكتوب موقع عليه من طرف أحد المحامين المقبولين للترافع أمام محكمة النقض.

إذا كان أحد طرفي الطعن قاضيا أو محاميا، أمكن لمن يقاضيهما، الترافع شخصيا أمام محكمة النقض.

(…) تعفى من مساعدة المحامي الدولة                 و الجماعات الترابية و مجموعاتها و هيئاتها و الموصى على الجماعات السلالية، طالبة كانت أو مطلوبة، و ذلك خلافا لمقتضيات الفقرتين 1 و 3 أعلاه.

– إن المادة 376 من مشروع ق.م.م، فيها مما يخالف مبدأ الشرعية و سيادة القانون،             و هو المبدأ الذي يقضي بوجوب خضوع جميع سلطات الدولة للقانون و احترام حدوده في كافة أعمالها.

أنه و لما كانت المادة 376 أعلاه، تقيم تمييزا بين المواطنين من جهة، و بين المواطنين            و الأشخاص المعنوية العامة في ممارسة الدعاوى و الطعون، الأمر الذي يعتبر إخلالا بمبدأ الشرعية و سيادة القانون، و كذا مخالفة مبدأ المساواة بين المواطنين في مباشرة الحق في التقاضي، فهم متساوون في الحقوق و الواجبات العامة، و لا يجوز حرمان طائفة من هذا الحق لأن فيه إهدار لمبدأ المساواة و هو ما يخالف مبادئ الدستور، لأن التمييز بين المراكز القانونية للمواطنين دون أسس موضوعية.

و من المقرر قانونا و قضاء أن الحق في التقاضي هو من الحقوق الدستورية (الفصل 118 من الدستور)، التي يجوز للمشرع أن يتدخل في حدود سلطته التقديرية، بتنظيمها و إختيار الإجراءات التي يقتضيها حماية ذلك الحق، بشكل يضمن تحقيق العدالة، شريطة ألا يؤدي هذا التنظيم إلى الإنتقاص من ذلك الحق أو إهداره.

يستفاد من المادة 376 أعلاه، أنها تتضمن قواعد غير موحدة في مجال التقاضي                 و الطعن في الأحكام، و المشرع لما أقام تمييزا غير مبرر بين المواطنين يشكل تعطيلا و تقييدا لحق التقاضي لفئة دون فئة أخرى، علما أن طرق الطعن في الأحكام ليست مجرد إجراءات يحدثها المشرع، بل هي من صميم الحقوق الدستورية.

كما أن صور التمييز بين المواطنين من جهة، أو بين المواطنين و أشخاص القانون العام تتعارض مع مبدأ المساواة، كما هو حاصل مع المادة 376 أعلاه، لكونها تحدث تقييدا أو تفضيلا أو استبعادا ينال بشكل تحكمي من الحقوق و الحريات التي يحميها الدستور أو القانون، مما يحول دون ممارستها على قدم المساواة بين المتقاضين، و بذلك تكون المادة المذكورة غير مطابقة للدستور.

المادة 377 ” (…) في حالة الطعن بالنقض المقدم من طرف النيابة العامة، يتعين إنذارها بإتمام البيانات الناقصة”. إن المشرع أقام تمييزا واضحا بين النيابة العامة و المواطنين، بحيث لم يمكن الجميع من الوسائل الاجرائية عينها التي يقتضيها الدفاع عن حقوقهم، لأنه منح إمتيازا للنيابة العامة و حرمان المواطنين منه، الأمر الذي تعتبر معه المادة 377 غير دستورية لمخالفتها ضمانة الدفاع و خرقها لمبدأ المساواة أمام القانون، و بوجوب خضوع الدولة لأحكام الدستور.
المادة 409 “إذا لم تقبل محكمة النقض طلب الإحالة من أجل التشكك المشروع، حكم على المدعي، غير النيابة العامة، بالمصاريف، كما يمكن الحكم عليه بغرامة مدنية لفائدة الخزينة العامة بين 10.000,00 درهم                 و 50.000,00 درهم. – المادة 409 من مشروع ق.م.م، تخالف مبدأي حق التقاضي و حق الدفاع ذات القيمة الدستورية عملا بأحكام الفصلين 118                 و 120 من الدستور.  و المشرع بتنصيصه على الحكم بالغرامة المالية في حال عدم قبول محكمة النقض لطلب الإحالة من أجل التشكك المشروع على طالبه، فيه تقييد لحق التقاضي و مساس خطير و بشكل تحكمي للحقوق و الحريات التي يكفها الدستور، الأمر الذي يحول دون ممارسة تلك الحقوق على الوجه المقرر في الدستور،  و على قدم المساواة بين النيابة العامة و المواطنين.              و هو ما يعتبر عملا منافيا و متعارضا مع الضوابط المؤطرة للعدالة التي يجب أن يقوم عليها نظام التقاضي في الدولة، و بناء عليه تكون المادة المذكورة عديمة الدستورية.
المادة 425 “يحكم على المدعي عند رفض المقال (مخاصمة القضاة) بغرامة بين 10.000,00 درهم و 50.000,00 درهم لفائدة الخزينة العامة”. إن المادة 425 من مشروع ق.م.م، لم تستحضر المقاصد التي قررها الدستور،                    و على العكس من ذلك، فإنها تمثل و بحق إخلالا بالمبادئ الدستورية، و من أهمها الحق في التقاضي و الحق في الدفاع عن الحقوق و الحريات التي يحميها الدستور بموجب الفصول 6 و 118 و 120، لأنه             و إن كان يحق للمشرع تنظيم مجال التقاضي فإن ذلك يتعين أن يتم وفق أحكام الدستور             و الشروط الواردة فيه، لأن الدستور متكامل في مبادئه و أهدافه و شروطه، و ليس في الدستور ما يسمح بفرض الغرامات بمناسبة مباشرة حق التقاضي، مما تكون معه المادة المذكورة غير مطابقة للدستور.
المادة 502 “لا يقل الحجز الأشياء التالية:

1-أموال و ممتلكات الدولة و الجماعات الترابية و مجموعاتها و هيئاتها (…).

المادة 502 من مشروع ق.م.م، فيها تعطيل صريح، و مخالفة صريحة لأحكام الفصل 126 الدستور التي نص بأن الأحكام النهائية الصادر عن القضاء ملزمة للجميع.

و لما كانت المادة المذكورة تستثنى أموال                  و ممتلكات أشخاص القانون العام (بإستثناء المؤسسات العمومية) من الحجز، فإن ذلك يعتبر خرقا لمبدأ المساواة أمام القانون،               و خرق لمبدأ الحق في التقاضي و لحقوق الدفاع المنصوص عليها في المواد 6 و 118 و 120 من الدستور، لأنه ليس من حق المشرع أن يمنح إمتيازا لأشخاص القانون العام و يحرم منه الأشخاص المادية                و الإعتبارية الخاصة، و لذلك يكون المشرع قد تبنى تمييزا تحكميا يخالف مبدأ المساواة أمام القانون الذي كفله الدستور و تضمن مساسا بالحق في التقاضي و الحق في الدفاع.

و في هذا الإطار لا يمكن للمشرع التذرع بالسلطة التقديرية في ممارسة التشريع لما يتعلق الأمر بتنظيم الحقوق و الحريات، لأن المشرع في هذه الحالة قيد الحقوق الدستورية، و أفرغها من مضامينها الحقيقة، أمام مخالفة مبدأ المساواة أمام القانون بسبب تباين المراكز القانونية، بل الأصل أن يتعامل المشرع معاملة متكافئة مع الجميع دون تمييز بين أشخاص القانون الخاص               و أشخاص القانون العام.

 و بناء عليه، يكون المشرع قد خرج عن القيود و القواعد و الضوابط و المبادئ الدستورية لمساسه بالحقوق و الحريات التي يكفلها الدستور، و تكون بذلك المادة 502 غير مطابقة للدستور.

المادة 552 “يقدم كل طعن بالبطلان في إجراءات الحجز العقاري (…) و يحكم على المدعي الذي خسر دعواه بغرامة قدرها: 10.000,00 درهم (…). ما ورد في المادة 552من مشروع ق.م.م غير مطابق للدستور، بحيث إن الفصل 118/فقرة 1 من الدستور ينص بأن حق التقاضي “مضمون”. و لما نصت المادة 552 أعلاه، بأن من يخسر الطعن ببطلان إجراءات الحجز يحكم عليه بغرامة قدرها 10.000,00 درهم، تكون قد قيدت “حق التقاضي” و أهدرت “حقوق الدفاع”، التي يكفلها الدستور بموجب الفصل 120.

و بناء عليه، يكون المشرع قد انحرف بالسلطة التقديرية لما اختار جزاء الغرامة المالية الأمر الذي يتعارض مع الأهداف المقررة في الدستور، و هو ما يشكل مخالفة دستورية لعدم احترام المشرع، القواعد الدستورية و ذلك لثبوت إضافة قاعدة جديدة تنال من القاعدة الدستورية نفسها، و هو ما يشكل عدوانا و مصادرة للحقوق و الحريات التي يكفلها الدستور.

و المشرع بتنصيصه على الغرامة المالية بمناسبة ممارسة حق التقاضي، يشكل قيدا يقوض حقوق الدفاع و حق التقاضي،                    و يكون بذلك المشرع قد عطل الحقوق التي يحميها الدستور، و لذلك تكون المادة المذكورة مخالفة للدستور.

المادة 571 “لا يقبل الأمر الصادر عن قاض التنفيذ في جميع الأحوال أي طعن”. ما نصت عليه المادة 571 من مشروع ق.م.م، يشكل مخالفة صريحة للدستور، لأنه لا يجوز للمشرع تقييد حق التقاضي                    أو إهدار حقوق الدفاع، نظرا لما يشكله ذلك من مصادرة لحقوق يكفلها الدستور بموجب الفصلين 118 و 120.

و يستفاد من أحكام المادة 571 أعلاه، أنها مخالفة للدستور لما عمدت إلى حرمان المتقاضي من مباشرة الطعن على درجتين، لأنه لا يجوز تحصين أي حكم إبتدائي من الطعن أمام هيئة قضائية أعلى درجة.

و بناء عليه يكون المشرع قد أهدر حقوقا كفلها الدستور، لما عمد إلى تقييد حق التقاضي و خرق حقوق الدفاع و الحق في محاكمة عادلة و هو ما يشكل إنزلاقا تشريعيا، يناقض مفهوم الدولة الديموقراطية كأساس لقيام الدولة القانونية، لأن تفويض الدستور للمشرع بتنظيم موضوع معين، يجب أن لا ينال من الحقوق التي يكفلها الدستور، سواء بنقضها أو الانتقاص منها، بل أن تنظيم هذه الحقوق يجب أن يكون منصفا و مبررا و معللا تحت طائلة عدم الدستورية.

و بناء عليه، و بالنتيجة تكون المادة المذكورة فيها ما يخالف الدستور (الفصلين 118 و 120).

خلاصات:
من خلال استقراء المواد الواردة في مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02،   و المشار إليها أعلاه، يمكننا إستنتاج ما يلي:
– تنكر المشرع لمبدأ الأمن القانوني و لمبدأ الأمن القضائي، إما إغفالا أو عمدا (الفصل 117 من الدستور).
– خرق مبدأ دستورية القواعد القانونية، و تراتبيتها بوصفها قواعد ملزمة للكافة، (الفصل 6 من الدستور).
– التعدي على مبدأ “ممارسة مهنة المحاماة للمساطر القضائية و غير القضائية، و هو ما يتعارض مع القانون رقم: 28.08 المنظم لمهنة المحاماة”؛
– المساس بمبدأي إستقلال المحاماة و حصانة الدفاع؛
– تحميل المحامي إلتزامات تتعارض مع قيم مهنة المحاماة و مع المركز القانوني للمحامي، و التي ليست من مهامه أو من واجباته؛
– خرق مبدأ المساواة بين المتقاضين؛
– خرق مبدأ مجانية التقاضي؛
– خرق مبدأ الحق في التقاضي؛
– خرق مبدأ الحق في محاكمة عادلة؛
– خرق مبدأ حقوق الدفاع.
ولذلك، فالبرلمان مدعو بأن يستحضر بمناسبة مناقشة مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02، القواعد و المبادئ الدستورية المشار إليها أعلاه، من أجل ضمان إصدار قانون مطابق للدستور، و خال من مثالب عدم الدستورية.
إن المحكمة الدستورية معنية بحماية الدستور الواجب التطبيق في نصه و روحه ([41])، و هو ما يتعين عليها مراعاته بمناسبة نظرها في جميع القضايا التي تعرض عليها، و التي من المرتقب أن يحال عليها مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02، لأن الدستور له السمو على كل من عداه، و يتعين على الجميع مواطنات و مواطنين و دولة، التقيد بأحكامه و مبادئه.
و هكذا، لا يجوز للمشرع أن يعطل جوهر الحقوق و الحريات التي يحميها الدستور، بعلة تنظيم هذه الحقوق، بالحد من مداها، بل ينبغي أن يتم ذلك وفقا للدستور، و ليس من أجل غايات سياسية، لأن الحقوق (الحق في التقاضي، الحق في الدفاع، الحق في محاكمة عادلة)، تؤطرها قواعد موحدة، و لذلك لا يحق للمشرع أن ينال منها، أو يحد منها أو يعطل النفاذ إليها، الأمر الذي يعتبر إخلال صريحا للحماية التي يكفلها الدستور لتلك الحقوق جميعها.

[1] – سامي جمال الدين، الرقابة على اعمال الادارة، جامعة الاسكندرية، كلية الحقوق، 1992، ص: 33.
[2] – اعتمد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم: 215 الف (د-3) بتاريخ 10 دجنبر 1948.
[3] – تم اعتماده بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200-أ(د-21)، بتاريخ 16 دجنبر 1966، و دخل حيز النفاذ بتاريخ 23 مارس 1976، وقع عليه المغرب في 19 يناير 1977، و صادق عليه بظهير رقم: 4-78-1 بتاريخ 21 ماي 1979، و نشر بالجريدة الرسمية عدد: 3525، بتاريخ 21 ماي 1980.
[4] – Le préambule de la Constitution Française de 1958 dispose «le peuple français proclame solennellement son attachement aux droits de l’homme et aux principes de la souveraineté nationale tels qu’ils été définis par la déclaration de 1789 (…..).  
[5] – أحمد أبو الوفا، أصول المحاكمات المدنية، الدار الجامعية، بيروت، 1983، ص: 46.
[6] – مدلول النظام العام، هو كل قاعدة امرة Impérative، تحقق مصلحة عامة و تمس النظام الأعلى للمجتمع، و لا يجوز الإتفاق على عكسها، و القاضي ملزم أن يحكم تلقائيا ببطلان الإجراءات، كما يحق لكل طرف في الدعوى أن يثير ذلك.
[7] – أحمد أبو الوفا، المرجع السابق، ص: 48.
[8] – إدريس العلوي العبدلاوي، الوسيط في شرح المسطرة المدنية، الجزء الأول، مطبعة النجاح الجديدة، الدر البيضاء، ص 1، 1998، ص: 314.
[9] – عزمي عبد الفتاح، واجب التقاضي في تحقيق مبدأ المواجهة بإعتباره أهم تطبيق لحق الدفاع، دار النهضة العربية، القاهرة، 1990، ص:6.
[10] – المحكمة الدستورية العليا المصرية، قضية رقم: 15، لسنة 14 قضائية، المحكمة الدستورية العليا، “دستورية”.
[11] – الحكم الصادر في القضية رقم (67 لسنة 6 ق.د) جلسة 16 فبراير 1985، مجموعة أحكام المحكمة الدستورية، الجزء الثالث، ص: 145.
[12] – أحمد عبد الفتاح طه القصاص، التجريم الدستوري، دراسة تحليلية مقارنة، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2020، ص: 23.
[13] – مجدي محمود محب حافظ، موسوعة أحكام المحكمة الدستورية العليا من عام 1971 إلى عام 2008، الجزء الثالث، دار محمود للنشر  و التوزيع، القاهرة، ص: 1787-1792.
[14] – قرار المجلس الدستوري رقم: 937 بتاريخ: 29 مايو 2014.
[15] – قرار المجلس الدستوري رقم: 943 بتاريخ: 25 يوليو 2014.
[16] – قرار المجلس الدستوري رقم: 937 بتاريخ: 29 مايو 2014.
[17] – قرار المجلس الدستوري رقم: 817 بتاريخ: 13 أكتوبر 2011.
[18] – محسن الصويب، ياسين مومن، إشكالات الإذن بالتقاضي في نزاعات أراضي الجماعات السلالية، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، العدد: 173، 2023، ص: 161.
[19] – قرار المجلس الدستوري رقم: 921 بتاريخ: 13 غشت 2013.
[20] – قرار المجلس الدستوري رقم: 921 بتاريخ: 29 غشت 2013.
[21] – قرار المجلس الدستوري رقم: 943 بتاريخ: 25 يوليو 2014.
[22] – قرار المجلس الدستوري رقم: 943 بتاريخ: 59 يوليو 2014.
[23] – قرار المجلس الدستوري رقم: 817 بتاريخ: 13 أكتوبر 2011.
[24] – قرار المجلس الدستوري رقم: 820 بتاريخ: 18 نونبر 2011.
[25] – قرار المجلس الدستوري رقم: 921 بتاريخ: 13 غشت 2013.
[26] – قرار المجلس الدستوري رقم: 660 بتاريخ: 23 شنتبر 2007.
[27] – قرار المجلس الدستوري رقم: 630 بتاريخ: 23 يناير 2007.
[28] – قرار المجلس الدستوري رقم: 921 بتاريخ: 13 غشت 2013.
[29] – قرار المجلس الدستوري رقم: 943 بتاريخ: 25 يوليو 2014.
– قرار المجلس الدستوري رقم: 250 بتاريخ: 24 أكتوبر 1998.
[30] – عبد العزيز محمد سلمان، رقابة الإغفال في القضاء الدستوري، ص: 5، على موقع WWW.f.law.net د/مهند صالح الطراونة، العلاقة بين السلطتين التنفيذية و التشريعية في النظام البرلماني، ط1، دار الورق، الأردن، 2009. 
[31] – إدريس بلمحجوب، قرارات المجلس الأعلى بغرفتين أو بجميع الغرف، الجزء الأول، مطبعة الأمنية، الرباط، 2005، ص: 10.
[32] – إن القوانين التنظيمية تعد منبثقة عن الدستور و مكملة له و تعدو أحكامها بعد تصريح المحكمة الدستورية بمطابقتها للدستور إمتدادا له، (راجع قرار المجلس الدستوري رقم: 786/2010، بتاريخ 02 مارس 2010.
[33] – يحي حلوي، المجلس الدستوري المغربي، دراسات و تعاليق (1994-2017)، الطبعة 1، مطبعة المعاريف الجديدة، الرباط، 2017،  ص: 360.
[34] – راجع المادة 23 من القانون التنظيمي رقم: 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية، و قرار المجلس الدستوري رقم: 1400/14، ملف رقم: 943/14.م.د، بتاريخ 25 يوليو 2014.
[35] – محمد أتركين، مباحث في فقه الدستور المغربي، مطبعة شمس برنيت، سلا الطبعة الأولى، 2020، ص: 269.
[36] – الامانة العامة للحكومة، الدليل العام لمساطر معالجة مشاريع النصوص التشريعية و التنظيمية، سلسلة “الوثائق القانونية المغربية”، الطبعة الأولى، المطبعة الرسمية، الرباط، 2015، ص: 26.
[37] – أحمد أبو الوفا، المرجع السابق، ص: 50.
[38] – قرار المجلس الدستوري، رقم: 819/2011، صادر بتاريخ: 16 نوفمبر 2011، منشور بالجريدة الرسمية عدد: 5997، بتاريخ: 22 نوفمبر 2011، الصفحة 5562.
[39] – Cons. Const., décis. N° 85-197 DC, 23 août 1985.
[40] – عبد العزيز سالمان، قيود الرقابة الدستورية، دار نهضة القانون، 1998، ص: 108.
[41] – قرار المجلس الدستوري رقم: 819/2011 بتاريخ: 16 نونبر 2011، الجريدة الرسمية عدد: 5997 مكرر بتاريخ: 22 نونبر 2011،   ص: 5562.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى