
كتاب وآراء
يونس مجاهد: “الرديف المزيف للتواصل الرقمي”.
أصبحت الأخبار الزائفة رديفا لتطور تكنولوجيات التواصل الحديثة، فكلما تواصلت الثورة الرقمية، تواصل إلى جانبها خطر تضليل الجمهور والتلاعب به، بمختلف الأشكال التي تتيحها هذه الثورة، التي يبدو أنها مع الذكاء الاصطناعي، ستصبح أكثر خطورة، بسبب الاستخدام السيء الذي يمارس من طرف العديد من الأشخاص وبعض الجماعات، إما بهدف التجارة أو للحصول على مداخيل من شبكات التواصل الاجتماعي، أو لترويج إيديولوجيات متطرفة، في أغلبها ديماغوجية، وعنصرية، ويمينية، وشعبوية.
وإذا كان التواصل الرقمي قد فتح الباب على مصراعيه، لمشاركة كل الناس في النشر والبث، فإن هذا الحق الجماعي في التعبير، حمل معه إيجابيات لا يمكن التغاضي عنها، في إطار توسيع المساهمة الحرة في الفضاء العام، لكنه في نفس الوقت ضاعف وضخم إمكانات وشروط التضليل والكذب والتلاعب بوعي الناس، لكن الأخطر من كل هذا هو أن منصات التواصل الاجتماعي، تستعمل خوارزميات تجعل المستخدمين مدمنين، وبالتالي تعمل على زيادة تفاعلهم وتمديد الوقت الذي يقضونه عليها، من خلال عرض محتويات تتناسب مع قناعاتهم، و يعزز هذا النهج قناعات المستخدمين ويعطيهم شعورا زائفا بأن رؤيتهم للعالم مشتركة من قبل الأغلبية، وهو نوع من التحيز التأكيدي، الذي ليس سوى وهما من الأوهام، السائدة في منصات التواصل الاجتماعي.
وقد أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، تقريرا، بناء على إحالة ذاتية، سنة 2022، يؤكد فيه أن من مفارقات هذه المنصات هي أنها تسليط الضوء على المحتويات السلبية، حيث يساهم استخدام الخوارزميات في تعزيز التعبيرات السلبية، ويقدم المجلس بعض الأمثلة، من قبيل أن “فيسبوك” يفضل في خوارزميته رد فعل الغضب، الذي لديه فرصة أكبر بخمس مرات للوصول إلى جمهور أوسع من مجرد إعجاب عادي. كما أنه في دراسة حول “تويتر”، يقول؛ لقد اكتشف الباحثون أنه كلما احتوت التغريدة على مشاعر سلبية وكلمات استياء، زادت فرص إعادة نشرها أو الإعجاب بها.
إن برمجة خوارزميات المنصات العالمية في المجال الرقمي، معدة سلفا لترويج المضامين السلبية، وتشجيع الاستخدامات السيئة، وقد وظفت بشكل شيطاني، علم النفس، وخاصة اجتهادات مدرسة بالو ألتو (Palo Alto) التي ظهرت في كاليفورنيا، في خمسينيات القرن الماضي، والتي كان لها الفضل الكبير في تطوير تخصص علم النفس، لكن التقنية السيبريانية، آنذاك، اشتغلت كثيرا على نتائج أبحاث هذه المدرسة الرائدة، سواء في مجال النموذج النسقي للتواصل، أو في الشبكات العصبية، وكذلك في نموذج الاتصال المختل، الذي استلهمته تقنية الأخبار الزائفة.
فالعالم يعيش اليوم تحت رحمة المنصات العالمية في التواصل والذكاء الاصطناعي، كما تحدث عنه تقرير الأخبار الإلكترونية، الذي أصدره معهد رويترز وجامعة أوكسفورد، لسنة 2025، والذي اعتمد على بيانات من خمس قارات و48 دولة (من بينها المغرب)، وخلص إلى أن أكثر من نصف الناس (58 في المائة) يظهرون قلقا بشأن عدم قدرتهم على التمييز بين ما هو حقيقي وما هو زائف، عند استهلاك الأخبار عبر الإنترنت. ويزداد القلق في إفريقيا حيث يصل هذا المعدل إلى 73 في المائة، وهو نفس المعدل في الولايات المتحدة الأمريكية، بينما لا يتجاوز 48 في المائة في أوروبا الغربية.
وذكر التقرير أن عدة منظمات دولية أعربت عن قلقها بشأن الآثار المترتبة على المجتمع والديمقراطيات في جميع أنحاء العالم، جراء هذا الوضع، كما أشار تقرير المخاطر العالمية للمنتدى الاقتصادي العالمي (2025) إلى أن المعلومات المضللة هي الأكثر إثارة للقلق للعامين المقبلين، مما يطرح أسئلة حقيقة على كل المجتمعات، بخصوص مآلها ومستقبلها، في ظل التنامي المتزايد لحملات تشويه الحقائق والأخبار الزائفة، ومدى قدرتها على مواجهة هذا الزحف المتواصل لمروجي التفاهة والديماغوجية والتزييف، الذين تساعدهم على ذلك الخوارزميات المبرمجة على تضخيم الكذب وعرقلة رواج الجودة والمصداقية.



