كتاب وآراء

4 سنوات على عملية “الكركارت”.. التدخل العسكري للمغرب الذي “كسّر عظام” طموح البوليساريو ورغبة الجزائر في الوصول إلى الأطلسي.

لم يكن صباح يوم 13 نونبر 2020 عاديا، فهذا التاريخ سيشهد عملية ميدانية للقوات المسلحة الملكية، لن تمكن المغرب فقط من استعادة السيطرة على المعبر البري الوحيد الذي يربط أراضيه بمنطقة غرب إفريقيا، وإنما أيضا سيُغير قواعد اللعبة في الصحراء بشكل جذري.
كان الأمر أشبه بسقوط أحجار “الدومينو”، فحين أقدم موالون لجبهة “البوليساريو” الانفصالية على قطع الطريق البري الرابط بين المغرب وموريتانيا في منطقة الكركرات، شرعوا، على عكس ما كانوا يطمحون، في إنهاء تردد العديد من دول العالم بخصوص الاعتراف بالسيادة المغربية على المنطقة.
حلم “الأطلسي” يتبخر:
كان مسعى جبهة “البوليساريو” العلني هو اكتساب مساحات على الأرض داخل المنطقة العازلة منزوعة السلاح، تُمكنها من قطع الشريان البري بين المغرب وباقي إفريقيا، وأيضا التوفر على منفذ بحري على المحيط الأطلسي عن طريق فرض “الأمر الواقع”.
وعمليا، سيتم فرض “الأمر الواقع” بالفعل، إذ بعد التدخل الميداني للجيش المغربي، في مثل هذا اليوم من 4 سنوات، ستتمكن الرباط من توسيع نطاق حضورها العسكري في المنطقة العازلة، عن طريق توسيع الجدار الأمني في أقصى الجنوب بما سيمنع متسللي الجبهة الانفصالية من الوصول إلى الساحل الأطلسي.
تحركُ المغرب الميداني، الذي لم يستمر سوى لبضع ساعات قبل استعادة السيطرة تماما على المنطقة، جاء بعد نحو 6 أسابيع من التروي، الذي دفعت موريتانيا ثمنه الاقتصادي من خلال منع مُوردي السلع الغذائي والمواد الأساسية المغاربة من الوصول إلى أسواقها، وهو واقع دفع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى التحذير علنا من مغبة عرقلة حركة السير المدنية والتجارية.
واشنطن تدعم المغرب:
ما حدث في الكركارات، كان نُقطة تحول حاسمة في مسار ملف الصحراء، فجبهة “البوليساريو” وبدعم جزائري علني، اعتبرت أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى توقيعه مع الأمم المتحدة سنة 1991، أصبح “لاغيا”، وبالتالي أعلنت العودة إلى حالة “الحرب”، وفي المقابل أعطت المملكة إشارات سريعة ومتتالية مفادها أنها تريد حسم هذا الصراع نهائيا، دون أي نقاش بخصوص سيادتها على كامل تراب المنطقة.
وكانت الفرصة مواتية للمغرب لكسب أهم وأثقل نقطة في تاريخ الصراع، حين سعت إدارة الرئيس دونالد ترامب للوصول إلى “صفقات” دبلوماسية مع مجموعة من الدول العربية من أجل تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وذلك قبل مغادرته البيت الأبيض، إثر خسارة السباق الانتخابي المحموم أمام الرئيس الموالي، جو بايدن.
وفي دجنبر من سنة 2020، أعلن الرئيس ترامب التوصل إلى اتفاق مع المغرب لإعادة العلاقات المقطوعة مع إسرائيل منذ 20 عاما، وبالتزامن مع ذلك قام بتوقيع مرسوم رئاسي يعرف فيه بالسيادة المغربية على الصحراء، في أفق تدشين قنصلية عامة لواشنطن بمدينة الداخلة، وهي الخطوة التي يُتوقع أن يفي بها خلال ولايته الثانية.
من أمريكا إلى أوروبا:
التحول الجذري في الموقف الأمريكي، الذي استمر في عهد الرئيس بايدن، كان بمثابة القوة الدافعة للدبلوماسية المغربية، التي ستُقرر الدخول في “معارك كسر عظام” مع قوى كبرى في سبيل الحصول على دعم واضح وصريح لمغربية الصحراء، أو على الأقل، إعلان دعم خطة الحكم الذاتي كأساس واقعي وحيد لإنهاء الصراع الإقليمي.
وحولت الرباط أنظارها إلى الاتحاد الأوروبي رأسا، وكانت البداية بألمانيا التي دخلت الرباط في صراع مع حكومته في أواخر عهد المستشارة أنجيلا ميركل، وصلت حد القطيعة الدبلوماسية، والتي انتهت بمجرد وصول خلفها أولاف شولتس إلى قيادة الحكومة، حين أعربت عن دعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي مع بداية سنة 2022.
النهج نفسه، وبشكل أكثر حدة، تعامل المغرب وفقه مع إسبانيا، بعدما سمحت بدخول إبراهيم غالي، زعيم جبهة “البوليساريو” إلى أراضيها قصد العلاج، باسم مستعار وبوثائق هوية جزائرية مزيفة، من أجل تمكينه من تفادي المتابعة القضائية، وانتهى الأمر بإعلان رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، في رسالة إلى الملك محمد السادس في 18 مارس 2022، أن مدريد تعتبر المقترح المغربي هو الأكثر واقعية وجدة ومصداقية لطي ملف الصحراء.
وفي معركة أخرى تطلبت طول النفس، وبدأت من 2021، سعى المغرب إلى الحصول على اعتراف فرنسي بسيادته على الصحراء، في غمرة مساعي الجزائر لاستصدار موقع باريسي معاكس، وانتهى الأمر في أواخر يوليوز 2024، حين بعث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رسالة إلى الملك محمد السادس، بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لجلوسه على العرش، يعلن فيها أن فرنسا تعتبر أن حاضر ومستقبل الصحراء يندرجان تحت السيادة المغربية.
وإجمالا، فإن المغرب استطاع، في غضون سنوات من عملية الكركارات وما تلاها من تحرك ميداني ودبلوماسي، الحصول على مواقف داعمة لسيادته على الصحراء من طرف 20 بلدا عضوا في الاتحاد الأوروبي من أصل 27، في الوقت الذي لا زالت فيه جبهة “البوليساريو” غير قادر على كسب أي مساحات إضافية، سواء على الأرض أو أمام المنتظم الدولي.
“”الصحيفة””

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى