كتاب وآراء

الطيار: تصنيف البوليساريو إرهابية.. خطوة استراتيجية لحماية موريتانيا من الإرهاب والانفصال.

تهديد متعدد الأبعاد للأمن الإقليمي:
تشهد منطقة الساحل والصحراء حالة هشاشة أمنية متزايدة بفعل تداخل التهديدات الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة والصراعات الجيوسياسية. وتبرز جبهة البوليساريو كأحد أهم مصادر التهديد في هذه المعادلة المعقدة، كونها فاعل مسلح عابر للحدود منخرط في أنشطة غير مشروعة ذات تداعيات مباشرة على استقرار موريتانيا ودول الجوار. إن تنامي نشاط البوليساريو في بيئة جيوسياسية هشة يجعل من الضروري إعادة تقييم موقعها على الخارطة الأمنية وتصنيفها كتنظيم إرهابي.
نشاطات البوليساريو وارتباطها بشبكات الإرهاب:
تؤكد تقارير استخباراتية غربية وإفريقية أنّ عناصر جبهة البوليساريو تورطت بشكل متزايد في توفير الدعم اللوجستي لجماعات إرهابية تنشط في الساحل، مثل “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” وفروع  تنظيم  “نصرة الإسلام والمسلمين” وتنظيم “الدولة الاسلامية في الصحراء الكبرى /داعش” .وتشمل هذه الأنشطة تهريب الأسلحة، وتسهيل مرور المقاتلين، وتأمين مسارات آمنة لقوافل المخدرات القادمة من أمريكا اللاتينية نحو أوروبا.
هذا التداخل بين البوليساريو والجماعات الإرهابية يعد واقعا يهدد الأمن الموريتاني بشكل مباشر. فموريتانيا التي تتقاسم حدودا طويلة مع مناطق تحرك البوليساريو كانت طيلة العقود الماضية من النزاع المفتعل في الصحراء المغربية، مسرحا لعمليات تسلل المقاتلين والأسلحة، ما رفع من منسوب مخاطر زعزعة استقرارها الداخلي.
موريتانيا بين فكي كماشة الإرهاب والجريمة المنظمة:
تواجه موريتانيا تحديا استراتيجيا خطيرا بحكم موقعها الجغرافي . وجود جبهة البوليساريو قرب حدودها الشرقية والشمالية يجعلها عرضة لعمليات التهريب وتسلل المجموعات المسلحة، خاصة مع ضعف المراقبة الأمنية في الشريط الحدودي.
وتؤدي أنشطة البوليساريو في تهريب المخدرات والبشر والوقود إلى تقويض جهود الدولة الموريتانية في ضبط الأمن. كما أن العائدات المالية الضخمة الناتجة عن هذه الأنشطة غير المشروعة تغذي قدرات البوليساريو  وتوسيع نطاق عملياتها فوق الأراضي الموريتانية، ما يضاعف التهديدات الموجهة إلى موريتانيا.
مخططات الجزائر وتوظيف البوليساريو كأداة ضغط:
تلعب الجزائر دورا محوريا في تغذية أنشطة البوليساريو ودعمها السياسي والعسكري، في إطار نزاع الصحراء المغربية، وكوسيلة للتأثير في موازين القوى الإقليمية. فالجزائر تسعى من خلال احتضانها للبوليساريو وتوفير الدعم المالي والاستخباراتي لها إلى استخدام الحركة كوسيلة ضغط على موريتانيا والمغرب في آن واحد.
ومن شأن هذه السياسة أن تدفع المنطقة إلى سباق نفوذ محفوف بالمخاطر، إذ يمكن أن تتحول الأراضي الموريتانية إلى ساحة صراع بالوكالة بين القوى الإقليمية. كما أن استمرار الجزائر في دعم البوليساريو يشجع التنظيم على التمادي في ممارساته الإرهابية ويقوض أي مساعٍ لبناء أمن جماعي في المنطقة.
دعوات انفصال الشمال كأداة اختراق استراتيجي:
في سياق الفوضى الأمنية، تتقاطع مصالح البوليساريو مع بعض الدعوات الانفصالية في شمال موريتانيا. تشير معطيات ميدانية إلى أن عناصر من الجبهة تسعى إلى تغذية نزعات الانفصال في الشمال الموريتاني، مستغلة هشاشة التنمية وغياب الدولة في بعض المناطق الشمالية.
هذه التحركات تشكل تهديدا وجوديا على وحدة الأراضي الموريتانية، إذ يمكن أن تؤدي إلى خلق بؤر توتر جديدة يتم استغلالها من قبل الجماعات الإرهابية والمهربين. كما أن نجاح أي مشروع انفصالي في الشمال سيؤدي إلى تفكك البنية الأمنية الهشة في البلاد، وهو ما قد يفتح الباب أمام انهيار الدولة المركزية.
أهمية تصنيف البوليساريو كتنظيم إرهابي:
أمام تزايد تورط البوليساريو في الجريمة المنظمة والتنسيق مع الجماعات الإرهابية، يصبح تصنيفها كتنظيم إرهابي خطوة استراتيجية وضرورية لتعزيز أمن موريتانيا واستقرار المنطقة. سيسمح هذا التصنيف بتشديد الرقابة على مصادر تمويلها، وملاحقة قادتها قانونيا، وفرض عقوبات دولية تحدّ من حركتها وقدرتها على تجنيد المقاتلين.
كما أن إدراج البوليساريو على لوائح الإرهاب من شأنه أن يسهل التعاون الأمني بين دول المنطقة ويعزز تبادل المعلومات الاستخباراتية، وهو ما سيحد من انتشار الفوضى ويقطع الطريق أمام مخططات الجزائر في توظيف الجبهة كأداة جيوسياسية لزعزعة الاستقرار.
ضرورة التحرك الاستباقي:
تشكل جبهة البوليساريو اليوم تهديدا مركبا لموريتانيا، يمتد من دعم الإرهاب والجريمة المنظمة إلى تغذية النزعات الانفصالية وتوظيفها كأداة في صراعات إقليمية أوسع. إن مواجهة هذا التحدي تتطلب مقاربة شمولية تعتمد على ثلاثة محاور رئيسية
– تطوير التعاون الأمني الإقليمي بين موريتانيا والمغرب ودول الساحل.
– تعزيز القدرات الدفاعية والاستخباراتية لموريتانيا في مناطقها الحدودية.
– تنسيق التحرك الدبلوماسي بين موريتانيا والمغرب ودول الساحل لدفع المجتمع الدولي نحو تصنيف البوليساريو كتنظيم إرهابي.
بهذه المقاربة المتكاملة يمكن لموريتانيا أن تحمي أمنها ، وتقطع الطريق أمام أي محاولات لزعزعة استقرارها أو تهديد وحدتها الترابية.
“””محمد الطيار رئيس المرصد الوطني للدارسات الاستراتيجية”””

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى