دولية

40 دولة تجدد دعمها لمغربية الصحراء…رسالة دبلوماسية قوية من قلب مجلس حقوق الإنسان بجنيف.

عندما تختار أربعون دولة، تمثل مختلف القارات والاتجاهات السياسية، أن تُجدد دعمها للسيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية من داخل واحد من أكثر المحافل الأممية حساسية، وهو مجلس حقوق الإنسان بجنيف، فإن الأمر يتجاوز مجرد بيان دبلوماسي، ليُصبح في تقديري محطة مفصلية في مسار هذا النزاع الإقليمي المفتعل والمستمر منذ عقود.
لقد تابعت ، مضامين البيان الذي ألقته جمهورية إفريقيا الوسطى باسم هذه المجموعة، فوجدت فيه ثلاث رسائل لا ينبغي المرور عليها مرور الكرام: رسالة سياسية، وأخرى حقوقية، وثالثة استراتيجية.
أولًا: نزع الغطاء الحقوقي عن أطروحة الانفصال:
من يراقب تطور النزاع حول الصحراء المغربية يلاحظ كيف لجأت بعض الأطراف إلى استخدام ورقة “حقوق الإنسان” كسلاح لشرعنة أطروحة الانفصال، وترويج صورة قاتمة عن الوضع الحقوقي في الأقاليم الجنوبية. لكن ما وقع في جنيف هذا الأسبوع، في رأيي، يُمثل نقطة تحوّل مهمة.
فالبيان تحدث بلغة واضحة عن انخراط المغرب في تفاعل طوعي وبنّاء مع الآليات الأممية لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمل اللجنتين الجهويتين للمجلس الوطني لحقوق الإنسان في الداخلة والعيون، وهو ما يعني أن المغرب لا يتهرب من المساءلة الدولية، بل يشتغل داخل المؤسسات وبأدوات القانون الدولي.
هذه الإشادة، الصادرة عن دول ذات وزن في الفضاء الأممي، تُسقط عمليًا محاولات التشكيك في المسار الحقوقي المغربي، وتُفشل سياسة التهويل التي تمارسها بعض الأطراف.
ثانيًا: الدعم لا يتوقف عند حدود الاعتراف بل يتطور نحو الاستثمار:
ما لفت انتباهي في البيان، هو الإشارة إلى افتتاح قنصليات لعدد من الدول في مدينتي الداخلة والعيون، باعتبارها “رافعة للتعاون الاقتصادي والتنمية الجهوية”.
في العُرف الدبلوماسي، فتح القنصليات ليس مجرد خطوة رمزية، بل اعتراف واقعي بالسيادة وارتباط مباشر بمصالح هذه الدول في الأقاليم الجنوبية للمملكة. والأهم، من وجهة نظري، أن هذا التموقع الجديد يعكس تحوّلًا في النظرة الدولية للصحراء، من كونها “منطقة نزاع” إلى “منطقة استقرار وفرص استثمارية”.
هذا التغيير، الذي تقوده الرباط بدبلوماسية هادئة لكن فعالة، يُعيد توجيه النقاش الدولي من مربع الصراع، إلى أفق التنمية والتكامل الإفريقي.
ثالثًا: مبادرة الحكم الذاتي تتعزز كأفق للحل السياسي:
أرى أن التذكير في البيان بأولوية مبادرة الحكم الذاتي المغربية، كما اعترف بها مجلس الأمن، ليس مجرد إعادة إنتاج لعبارات مألوفة، بل تثبيت لنقطة إجماع جديدة داخل المنتظم الدولي.
لقد أصبح من الواضح، أن هذا المقترح، الذي يجمع بين السيادة المغربية والتدبير المحلي الديمقراطي، يُقدم نفسه كحل واقعي وعملي وقابل للتنفيذ، في مقابل حلول أخرى ظلت تراوح مكانها لعقود دون أن تحقق أي تقدم.
وما يزيد من وجاهة هذا الطرح، هو التأكيد الجماعي من الدول الأربعين على دعم جهود الأمم المتحدة لإحياء العملية السياسية، وفق قرارات مجلس الأمن، وآخرها القرار رقم 2756.
كلمة أخيرة: المغرب يكسب بالنَّفَس الطويل
لا يمكن لأي مراقب نزيه أن ينكر أن المغرب استطاع، خلال السنوات الأخيرة، أن يراكم مكتسبات دبلوماسية حقيقية في ملف الصحراء، لكنها لم تأتِ بضربة واحدة، بل كانت نتيجة استراتيجية متكاملة جمعت بين الانفتاح الحقوقي، والتنمية الميدانية، والدبلوماسية متعددة المسارات.
بيان الدول الأربعين في جنيف لا يُلغي أن النزاع لا يزال قائمًا، وأن الطريق نحو حل نهائي لا يخلو من التحديات، لكنه في رأيي يعكس تراجعًا تدريجيًا لأطروحة الانفصال، مقابل صعود رؤية أكثر براغماتية وواقعية، وهي رؤية المغرب.
في نهاية المطاف، السياسة لا تُقاس بالنوايا، بل بما يُترجم على أرض الواقع. وواقع الصحراء المغربية، كما تثبته هذه المواقف الدولية المتتالية، يتجه بثبات نحو الاعتراف، التعاون، والاستثمار… لا نحو الانفصال.
“””بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية”””

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى