أريري: بعد التسوية الضريبية.. هل يتجند جباة الدولة لجمع ملايير “التسوية السياسية”؟

مع متم سنة 2024، ربحت الخزينة العامة، بفضل عملية التسوية الطوعية للوضعية الجبائية للأشخاص الذين كانوا خارج الرادار الضريبي، ما قيمته 6 ملايير درهم، مقابل العفو عن هؤلاء وتسوية وضعيتهم تجاه إدارة الضرائب.
المبلغ المحصل عليه جد مهم، وسينعش موارد الدولة لمواجهة أعباء التحملات العمومية، مما يبرز أن المغرب ليس بلدا بدون إمكانيات أو بلدا معدوما، بل التهرب الضريبي وسوء تدبير المال العام وانسداد المنافسة الشريفة بين المغاربة في المجال الاقتصادي والتجاري بسبب احتكار الصفقات فضلا عن احتكار عائلات محظوظة وقليلة لكل مجالات إنتاج الثروة، هو الذي يجعل من المغرب دولة «معاقة» ماليا، وبالتالي دولة «معاقة» مجاليا واجتماعيا.
في هذا الإطار يكفي أن نشير إلى أن هناك «بؤرة ريعية» أفظع، تقضم مبالغ مهمة من موارد الدولة كل عام، ألا وهو الريع الممنوح للوزراء والبرلمانيين ولمسؤولي الجماعات الترابية، باسم «التعويض عن المهام الانتدابية»، والذي يبلغ 2.5 مليار درهم. علما أن هذا المبلغ كان إلى حدود سنة  2015، لا يتجاوز 1.25 مليار درهم، لكن مع نهاية حكومة بنكيران، تم الرفع من تعويضات المنتخبين في 1503 جماعة و12 جهة و75 عمالة وإقليما، مما أدى إلى إنهاك الميزانية العامة، علما أن جل الوزراء ومعظم البرلمانيين ورؤساء الجهات والجماعات ومجالس العمالات ميسورين ومنعشين ومقاولين وذوو أعمال حرة مدرة لدخل محترم، لا تستدعي الرفع والمضاعفة من حجم تعويضاتهم عن مهام هي أصلا تطوعية وليست «إجبارية»، خاصة وأن الانتداب الانتخابي ليس جسرا ليحوله المرء إلى «مهنة» يقتات منها«طرف ديال الخبز». وللأسف استمر الوضع في ظل حكومتي العثماني وأخنوش.
لنقرأ الأرقام الصادمة المرفقة:
– 155.703.600 درهم تخصص كتعويض كل سنة لـ 1503 رئيس جماعة حضرية وقروية ولنوابهم وباقي أعضاء المكتب.
– 48.663.600 درهم هو حجم الريع المالي الذي يقتطع من الضرائب لمنحه لرئيس 75 مجلس عمالة وإقليما ولأعضاء المكتب كل سنة.
– 30.216.000 درهم هو قيمة ما يتقاضاه رؤساء 12 جهة بالمغرب كل عام من المال العام (رفقة أعضاء المكتب).
وإذا أضفنا إلى هؤلاء، الوزراء والنواب بالغرفة الأولى والمستشارين بالغرفة الثانية سنصاب بالصدمة القلبية.
فالوزراء وكتاب الدولة، تضخ لحساباتهم من الخزينة العامة كل عام حوالي 28 مليون درهم. والمستشارون بالغرفة الثانية ترصد لهم في الميزانية العامة كل سنة 46.080.000 درهم كتعويض. أما النواب بالغرفة الأولى فيحصلون كل عام على 151.680.000 درهم كتعويض.
وإذا جمعنا هذه التعويضات التي تخصصها الدولة لسلالة السياسيين المنتخبين في كل ولاية جماعية وتشريعية وحكومية (6 سنوات للجماعات الترابية وخمس سنوات للبرلمان والحكومة)، نجد أن الريع الذي يتوصل به السياسيون يصل إلى ما يلي:
أولا: منتخبو الجماعات الحضرية والقروية: 934.296.000 درهم.
ثانيا: منتخبو العمالات والأقاليم: 291.981.600 درهم.
ثالثا: منتخبو الجهات: 181.296.000 درهم.
رابعا: النواب البرلمانيون: 758.400.000 درهم.
خامسا: المستشارون البرلمانيون: 230.400.000 درهم.
سادسا: الوزراء: 140.000.000 درهم.
أي أن الريع الإجمالي المقتطع من المال العام لهذه السلالة يصل في ولاية واحدة إلى 2.536.839.200 درهم (بمعنى 253 مليار و683 مليون سنتيم)، وهو ما يمثل عبئا رهيبا على الخزينة العامة المنهوكة أصلا بسبب ضعف النسيج الاقتصادي وثقل المديونية وضعف الوعاء الجبائي وقلة مصادر التمويل العام وتزايد العجز العام.
إزاء كل ذلك، ألا يحق للمواطن المغربي المقهور أن يسائل الأجهزة العمومية حول معنى  الاستمرار في هذا الإمعان في تبذير المال العمومي.
نتصور هذا المواطن، وهو يحتسي شايه أو قهوته كل صباح، قد يطرح التساؤل، ولو من باب الحلم: ماذا لو أقدمت الدولة على ترشيد هذا الريع وتقزيم هاته التعويضات الخيالية، بتقليصها إلى النصف على الأقل، على أن يصرف النصف الثاني في خلق مناصب الشغل لمن هو في حاجة إلى الشغل، أو يخصص لتمويل صندوق مساعدة المقاولات الصغيرة لمساعدتها على مواجهة الصعاب المالية، أو لشق بعض المقاطع الطرقية لفك العزلة عن جماعات منسية في القرى والجبال، أو تجهيز مستشفيات بالراديو والآليات والأدوية، أو لبناء أحياء جامعية لإيواء الطلبة، أو تجهيز المختبرات العلمية بالثانويات إلخ…؟.
الامتيازات والتعويضات المبالغ فيها قد تكون «مفهومة» و«مقبولة»، لو أن سياسيينا (من منتخبين محليين وجهويين وبرلمانيين وحكوميين)، يعملون ليل نهار، لتوفير خدمة جيدة بالمرافق العمومية، ويتفانون بإخلاص من أجل خلق شروط إنتاج الثروة بالبلاد ورفع الناتج الداخلي الخام والانشغال بتعبيد السبل لتسويق منتوجات المغرب لغزو الأسواق الدولية لرفع حجم الصادرات، وتجويد أدائهم في المنصب أو المهمة العمومية. آنذاك قد يكون توزيع التعويضات المالية والامتيازات العينية مبررا. أما وأن المغرب الذي نعيشه لا يزال يعيش على إيقاع البؤس والفقر والإقصاء المجالي والخصاص وتردي الخدمات العمومية، فتلك هي المشكلة.
ولصناع القرار واسع النظر!