أعتقد أن الرد الذي وجهه السيد أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، للسيد عبد الإله بن كيران، زعيم حزب العدالة والتنمية، لايجب أن يمر مرور الكرام، أولا لحساسية المنصب الذي يحتله الوزير التوفيق، ولقلة كلامه وخوضه في النقاشات العمومية، ثم لطبيعة الموضوع المطروح للنقاش : العلمانية في السياق المغربي.
والمعلوم أن كلمة “العلمانية” ولأسباب يطول التفصيل فيها، وربما لأسباب موضوعية مرتبطة بسياق تاريخي معين في المغرب، حملت أكثر مما تحتمل، وأصبحت مرادفة ل”الإلحاد”، أو أحيانا “معاداة الدين”، وهو ما جعل الجميع يتجنب الخوض في الموضوع، وحتى ذكر الكلمة، مخافة أن يتهم بأبشع الأوصاف، وقد يخرج من الدين والملة، مع العلم أن الحياة العامة للمغاربة تحضر فيها الكثير من مظاهر العلمانية. وبذلك فالمغاربة يحبون عيش سياق العلمانية و”فضائلها” لكن يرفضون استعمال التسمية.
ومما يعقد الوضع غياب كلمة بديل لتعويضها، كما هو الحال في الفرنسية التي يمكن فيها تعويض laïcité ب sécularisation. وحتى عبارة “فصل الدين عن الدولة” التي تستعمل أحيانا لا تفي بالغرض، بل قد تؤول تأويلا مغرضا. وعليه فالنقاش الذي فتحه السيد الوزير يتجاوز مجرد الرد على كلام لزعيم سياسي بل يسعى لجعل الحديث عن العلمانية في المغرب عاديا، وتنقية الكلمة/المفهوم من الشوائب التي علقت به، والتقرب من تجارب أوروبية أخرى في العلمانية كالتجربة الألمانية والإنجليزية، التي لها خصوصيات تجعلها أقرب إلى النموذج المغربي، بدل الالتصاق بالنموذج الفرنسي.
كان السيد الوزير موفقا في سرد مظاهر العلمانية في الحياة السياسية المغربية المعاصرة، التي ينخرط فيها السيد بن كيران وحزبه بدون حرج، وكان بإمكان السيد الوزير أن يعود لحياة المغاربة في قراهم وبواديهم قبل الحماية الفرنسية، وهو المؤرخ العارف بخبايا المجتمع المغربي، والسوسي أساسا، ليعزز طرحه بنماذج من مظاهر العلمانية المغربية الأصيلة، التي لا تحتاج لتأصيل لا من الشرق ولا من الغرب.
ومع ذلك يحسب للسيد الوزير التوفيق أن فتح بابا ظل موصدا لعقود، ومن خلال نقاشه يؤسس لعلمانية مغربية تجعل ما لله لله، وما لقيصر لقيصر، وبالأمازيغية السوسية يتم التعبير عنها ب: يات ءي ربي، يات ءي محمد.
“””الحسين بويعقوبي”””