في منعطف اعتُبر من أخطر محطات الصراع حول القضية القبائلية، كشف فرحات مهني رئيس حكومة القبائل المؤقتة (أنفاذ)، عن توجيهه رسالة رسمية إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، يطالبه فيها بتنظيم استفتاء لتقرير مصير الشعب القبائلي المحتل وتحديد مستقبل منطقة القبائل في خطوة تعكس مفارقة لافتة إذ تضع النظام العسكري الجزائري أمام ذات المطلب الذي يرفعه بإصرار في قضية الصحراء المغربية ويتمسك به كخيار وحيد.
مهني، شدّد على أن الرسالة الموجهة إلى الرئيس الجزائري خطوة محسوبة بعناية تندرج ضمن مقاربة قانونية وسلمية مسؤولة، تستند إلى مرجعيات راسخة في القانون الدولي وتستحضر تجارب الشعوب في نيل حقوقها المشروعة.
وأوضح أن هذه المبادرة تمثل حلقة مركزية في مسار تاريخي متراكم يهدف إلى حسم مستقبل منطقة القبائل عبر الوسائل الديمقراطية، لكنه حذّر في المقابل من أن تجاهلها أو التعامل معها بمنطق الإنكار والقمع سيدفع الحركة وبقرار لا رجعة فيه، إلى إعلان أحادي للاستقلال يوم 14 دجنبر 2025، بما يحمله ذلك من تداعيات سياسية وأمنية على الداخل الجزائري وعلى علاقاته الخارجية.
وأضاف مهني أن السلطات الجزائرية لا يمكنها الادعاء بجهل هذا التطور، بعدما أقرت سفارتها في باريس بتسلم الرسالة بشكل رسمي، وهو ما يجعلها بحسب تعبيره، أمام اختبار حقيقي لإرادتها في التعامل مع المسألة القبائلية بمنطق الحوار والاحتكام إلى صناديق الاقتراع بدل منطق القوة والإقصاء.
وجاء في الرسالة المذكورة التي وجهها رئيس القبايل لنظيره الجزائري، وتحمل توقيع “فرحات آيت سعيد مهني”، تحت شعار “الحركة من أجل تقرير مصير منطقة القبائل – MAK” وعنوانها “الرئاسة”، وموجهة مباشرة إلى “السيد عبد المجيد تبون رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية”، أن موضوعها عبارة عن طلب لتنظيم استفتاء لتقرير مصير الشعب القبائلي حول مستقبل منطقة القبائل.
وتضمن الرسالة، أن مهني وباسم حركة تقرير المصير يعتبر من واجبه التوجه رسميا إلى الرئيس الجزائري لطلب تنظيم هذا الاستفتاء بشأن مستقبل منطقة القبائل السياسي، مستندا في مطلبه إلى عدة مرجعيات قانونية دولية، من بينها المادة الأولى الفقرة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، والقرار 1514 الصادر في 14 دجنبر 1961، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المؤرخ في 16 دجنبر 1966، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 دجنبر 1948، وإعلان الأمم المتحدة حول حقوق الشعوب الأصلية، إضافة إلى المادة 30 من الدستور الجزائري الصادر في فاتح نونبر 2020.
وأوضح مهني في نص الرسالة أن الطلب لا يجب أن يُفهم كعمل عدائي من طرف الحركة، بل هو مبادرة لحل مسألة وطنية قبائلية “تسمم الجزائر” منذ عقود طويلة.
واعتبر أن جذور القضية لا تعود فقط إلى سنة 1962 مع ما يسمى استقلال الجزائر، وإنما تمتد إلى ما بعد معركة إيشيريدن في يونيو 1857 حين جرى ضمّ منطقة القبائل إلى الجزائر الفرنسية دون موافقتها، مرورا بانتفاضتها المسلحة عام 1871 بقيادة “المقراني” والشيخ أحنّد.
وأضاف أن الشعب القبائلي رفض دوما أن تُفرض عليه هوية أو جنسية غير هويته، وهو السبب الذي دفعه للانخراط الواسع في مقاومة الاستعمار الفرنسي، وهو المبدأ ذاته الذي يستمر في مواجهة ما أسماه “الجزائر ما بعد الاستعمار” منذ 1963.
وأشارت الرسالة إلى أن عدم ثقة منطقة القبائل في أي سلطة غير منبثقة عنها جعلها منذ أكثر من ستة عقود في حالة قطيعة مستمرة مع مؤسسات الدولة الجزائرية فهي لا تعترف بالدستور، ولا بالرئاسة ولا بالحكومة أو البرلمان، وتستمر في مقاطعة انتخاباته منذ 1999 على الأقل.
كما أنها لم تنخرط في أي توجهات سياسية للجزائر، سواء كانت اقتصادية أو لغوية أو دينية أو أيديولوجية، بل إن الخيارات الرسمية كانت دائمًا على النقيض من تطلعات الشعب القبائلي، حتى على مستوى السياسة الخارجية.
واتهم مهني النظام العسكري الجزائري بالعجز عبر عقود، عن تقديم أي حل إيجابي لهذه المسألة الوطنية، مشيرا إلى أن ما حصل عليه الشعب القبائلي من الرؤساء المتعاقبين لم يتعدّ الإنكار والقمع والفساد والتضييق.
وأكد أن لذلك عواقب خطيرة تمثلت، حسب الرسالة، في تكريس علاقة استعمارية جزائرية – قبائلية تشبه ما كان قائما إبان الحقبة الاستعمارية الفرنسية، وهو ما ظل عالقا منذ 1963 حين خاضت الجزائر حربا ضد قبائل حسين آيت أحمد وأكلي محند أولحاج، وفي فقدان الجزائر لمصداقيتها دوليًا، حيث برز التناقض بين دفاعها عن حق الشعوب في تقرير المصير خارج حدودها وقمعها لهذا الحق بوحشية داخل أراضيها، إضافة إلى تغذية حالة عدم استقرار سياسي داخلي تحول دون أي تقدم اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي.
وختم مهني رسالته بالتأكيد على أن الجزائر تستحق التقدم أكثر، وأن ذلك لن يتحقق إلا بالتخلص من “المشكلة القبائلية” بما يضمن الاستقرار الداخلي والتماسك الوطني والاحترام الدولي.
واعتبر أن القبول بحل المسألة عبر صناديق الاقتراع سيكون بمثابة خطوة تاريخية ترفع من شأن الرئيس تبون وتخلّد اسمه في “تاريخ الإنسانية بحروف من ذهب”، مبرزا أن حل النزاعات بالطرق الديمقراطية والسلمية كفيل بأن يحفظ للجزائر استقرارها ويمنحها احترامًا أكبر.
كما جدد استعداد حركة تقرير مصير القبائل لفتح نقاش مع السلطات الجزائرية بشأن الآجال والآليات اللازمة لتنظيم الاستفتاء، قبل أن يختم بالقول: “في انتظار رد إيجابي منكم، تقبلوا، السيد الرئيس، أسمى عبارات التقدير”.
يشار ان الرسالة المذكورة وُقعت من المنفى بتاريخ 25 يوليوز 2025، تحت توقيع: “فرحات آيت سعيد، مهني”، في خطوة وُصفت بأنها قد تشكل محطة فارقة في مسار علاقة منطقة القبائل بالنظام العسكري الجزائري، خاصة مع التلويح الجدي بإعلان أحادي للاستقلال في دجنبر المقبل إذا لم تستجب السلطات المركزية للمطلب.
“الماك” تراسل تبون، وتطالبه بتنظيم استفتاء لتقرير مصير الشعب القبائلي المحتل.
