تصاعدت التساؤلات في الأوساط السياسية والدبلوماسية حول جدية التهديدات الأميركية بالانسحاب من الوساطة في الأزمة الأوكرانية الروسية، وذلك بعد تصريحات صادرة عن البيت الأبيض تعكس انزعاج إدارة الرئيس دونالد ترامب من عدم إبداء الطرفين مرونة كافية في مواقفهما.
وأوضح مسؤول أميركي أن ترامب يدرس بجدية التراجع عن جهود الوساطة في حال استمرار الجمود من جانب موسكو وكييف، وهو ما يعكس التحديات الكبيرة التي تواجه الوساطة الأميركية منذ بداية الأزمة.
ويشير محللون إلى أن ترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض يسعى لضمان التوازن والتقدم من الجانبين، لكنه يواجه صعوبة في التعامل مع موقف أوكرانيا الرافض للتنازلات بشأن أراضيها، فضلا عن تمسك روسيا بمطالبها منذ بداية العملية العسكرية.
وفي هذا الإطار، يأمل الرئيس الأميركي في تدخل الدول الأوروبية بشكل أكثر فاعلية لاستئناف المفاوضات وخلق أرضية للتفاهم بين الطرفين.
وكان ترامب قد تعهد عند توليه الرئاسة بحل النزاعات الكبرى، ومن أبرزها الحرب الروسية الأوكرانية، التي حمل سلفه جو بايدن مسؤولية اندلاعها.
وقد حمل الرئيس الأميركي سابقا نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مسؤولية استمرار الحرب وطالبه بتقديم المزيد من التنازلات، ما أدى إلى توتر العلاقة بين الطرفين، قبل أن تخف حدته لاحقاً إثر صفقات اقتصادية مربحة بين واشنطن وكييف.
ورغم التهديدات بالانسحاب، يرى خبراء أن هذه التحركات تندرج في إطار السياسات التكتيكية التي يعتمدها ترامب للحفاظ على الهيمنة الأميركية وتحقيق مصالح استراتيجية وتجارية، وهو ما يعني استمرار ممارسة الضغوط على الطرفين لممارسة التنازلات المطلوبة.
وبالرغم من ميل ترامب الظاهر نحو روسيا في بعض المواقف، فقد مارس ضغوطاً على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمطالبة بتنازلات من جانبه لوقف الحرب.
ويعتبر العديد من الخبراء أن أي انسحاب أميركي من الوساطة سيكون كارثيا بالنسبة لأوروبا وأوكرانيا، خاصة أن الدول الأوروبية تواجه صعوبة في تقديم ضمانات أمنية كاملة، ولاسيما في المجال الجوي.
وفي الوقت نفسه، تتطلع موسكو إلى انسحاب واشنطن، إدراكا منها أن أوروبا بمفردها لا تستطيع مواجهة الجيش الروسي دون الدعم الأميركي.
وسعت الدول الأوروبية خلال الفترة الماضية إلى المشاركة الفاعلة في المفاوضات، بعد أن كانت تخشى من الثنائية بين ترامب وبوتين، إلا أن هذا التدخل لم يحظ بارتياح الإدارة الأميركية التي كانت تفضل احتكار أي صيغة للحل النهائي.
وفي هذا الإطار، ناقش ترامب مع الأوروبيين إمكانية نشر قوات خاصة من متعاقدين أميركيين لتدريب الجيش الأوكراني وتعزيز قدراته الدفاعية، في خطوة تهدف لتأمين مصالح واشنطن وخلق رادع لبوتين، وهو ما رفضته موسكو وأثار مخاوف قانونية لدى بعض العواصم الأوروبية.
على صعيد العمليات العسكرية، أظهرت أوكرانيا قدرتها على ضرب العمق الروسي من خلال استهداف منشآت صناعية ومرافق نفطية، ما أدى إلى اضطرابات في منظومات الصواريخ والطائرات المسيرة الروسية.
ورغم أن الضربات الأوكرانية كانت ذات أهداف عسكرية واضحة، فقد استهدف الرد الروسي أهدافاً مدنية، ما أسفر عن تأثير اقتصادي واجتماعي ملموس في روسيا، كما يشير بعض المحللين إلى أن حضور بوتين قمة شنغهاي يعكس الحاجة لتعزيز الصادرات النفطية وتقوية العلاقات مع الصين والهند.
ويشبه بعض الخبراء الوضع الراهن بما كان عليه الحال خلال الحرب العالمية الأولى، حيث تعجز الأطراف عن اتخاذ خطوات حاسمة ضد بعضها البعض، ويشيرون إلى أن الحل الأمثل قد يكمن في تبادلات تنازلية بين موسكو وكييف، تقبل بموجبها أوكرانيا فقدان جزء من أراضيها بينما تضمن روسيا احترام سيادة أوكرانيا ضمن ضمانات أمنية محددة، إلا أن استعداد روسيا لأي صفقة سلام في الوقت الراهن لا يزال محل شك، مما قد يكلف الأطراف الأوروبية والأوكرانية ثمناً باهظاً.