حراك فجيج…السياق والخلاصات.

كلمة لابد منها:
انطلق الحراك الشعبي بواحة فجيج منذ ما يقرب من أربعة أشهر، وكانت نقطة تفويت الماء لمجموعة الشرق للتوزيع هي القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقال. ذلك لأن تفويت الماء هو مجرد سبب من بين أسباب أخرى فجرت الغضب الشعبي، وما حصل هو عبارة عن تراكم كمي ونوعي، والمتتبع لدينامية الحركات الاجتماعية يمكنه أن يدرك ذلك، فساكنة فجيج خلال العشرية الأخيرة لم تتوقف عن الاحتجاج من أجل حقوق مشروعة مثل الحق في الأرض والحق في الصحة والحق في الماء..
على هذا الأساس نعتبر أن الحراك الشعبي بفجيج هو فعل مشروع يدخل في إطار الحق في التعبير السلمي عن الرأي الذي تؤكده المادة 19 ما الاعلان العالمي لحقوق الإنسان ( 1948) و المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ( 1966)، والفصلين 25 و29 من دستور 2011.
إضاءة حول السياق:
لفهم الأسباب التي دفعت ساكنة فجيج إلى الخروج للشارع لابد من الوقوف مليا عند ما وقع خلال شهر أكتوبر 2023، فبتاريخ في 26 أكتوبر 2023 صوت المجلس البلدي بالإجماع ( أغلبية ومعارضة) ضد قرار تفويت تدبير قطاع الماء لمجموعة الشرق وذلك انسجاما مع قرارات للمجالس السابقة التي كانت ترفض تفويت قطاع الماء للمكتب الوطني للماء الصالح للشرب، وحرصا على مصلحة المواطنين، لكن بعد أيام معدودات عقد المجلس الجماعي بفجيج دورة استثنائية ثانية يوم 31 أكتوبر 2023 لمناقشة مسألة تقويت قطاع الماء فتم التراجع عن قرار الرفض المتخذ سابقا، حيث صوت 9 أعضاء لصالح التفويت ورفض التفويت من طرف 8 أعضاء، وبذلك يتم تمرير اتفاقية تفويت تدبير قطاع الماء لصالح شركة الشرق للتوزيع بشكل أثار دهشة واستغراب الجميع، وطرح موضوع الاستقلالية موضع سؤال.
رفض شعبي لقرار التفويت:
تجدر الإشارة إلى أنه منذ اقدام اغلبية المجلس البلدي بفجيج على قرار التفويت الذي تعتبره الساكنة قرارا مشؤوما اضطر سكان فجيج للخروج للشارع للاحتجاج أمام مقر الجماعة وفي بعض الساحات العمومية، ينظمون اشكلا احتجاجية متنوعة وحضارية (وقفات، ومسيرات، واضرابات عامة، ومسيرات بالدراجات وبالشموع ومسيرات خاصة بالنساء ومسيرة بالسيارات..) في إطار التنسيقية المحلية للترافع عن قضايا مدينة فجيج التي أسسوها ـ في إطار المقاومة الشعبية والفاع الذاتي ـ للتعبير عن رفض تفويت تدبير قطاع الماء للشركة المجهولة الاسم “مجموعة الشرق للتوزيع”، واحتجاجهم على الصيغة الملتوية والملتبسة التي تم بمقتضاها حصل التفويت، وللتعبير عن توجسهم من ارتفاع تسعيرة الفواتير وتأثيرها على القدرة الشرائية للساكنة المنهوكة أصلا. وتتميز الأشكال النضالية التي تنظمها التنسيقية للترافع عن قضايا المدينة بالمشاركة الواسعة لجميع الأجناس والفئات والأعمار، وتعرف هذه الاحتجاجات على وجه الخصوص حضورا وازنا للنساء اللواتي يشاركن في الاحتجاجات بلباسهن المحلي ( الحايك واللثام).، كما نظمت إضرابات تضامنية موازية، وأغلقت المتاجر والمقاهي وكل المؤسسات الخدماتية بشكل شامل، بل وصل الامر إلى حد مقاطعة السوق الأسبوعي. وفي خضم هذا الأسبوع الجاري نظمت أشكال وازنة بفجيج ومدن أخرى : حيث نظمت اللجنة الوطنية للدعم بتنسيق مع الحركة الحقوقية ندوة صحفية بالرباط يوم الخميس 22 فبراير 2024، كما نظمت وقفتان احتجاجيتان بفجيج ووجدة يوم الجمعة 23 فبراير 2024.
المقاربة الأمنية ليست حلا:
إن المطلب الأساسي للساكنة هو التراجع عن قرار التفويت، انسجاما مع التعاقد السياسي الذي يربطهم بالمجلس الجماعي، وهم حاليا مستاؤون جدا من هذه المؤسسة التي أصبحت فاقدة للشرعية في نظر أغلبيتهم، لانصياعها لسلطة الوصاية، وقفزها على الإرادة الشعبية، وفي هذا الصدد عبر بعض من استجوبناهم عن رغبة المواطن/ة في فجيج في استقالة المجلس الذي أصبح لا يمثل إلا نفسه. كما يعيبون على المجلس ضعف القدرة التواصلية، إذ منذ انطلاق الحرك في أواخر أكتوبر 2023 أصبح المواطن في واد وممثليه في واد آخر، فالمجلس لم يكلف نفسه حتى عناء التواصل مع المواطنات والمواطنين، وشرح مبررات الانقلاب في القرار خلال أربعة أيام، وتحوله بقدرة قادر من موقف الرفض بالأجماع، إلى موقف التمرير بالأغلبية النسبية (النصف زائد واحد)، وفضح الجهات التي تتدخل في اختصاصاته ونضرب في العمق استقلالية قراراته، وبيان الاثار الاقتصادية والاجتماعية للتفويت على الساكنة، وشرح القيمة المضافة للتفويت بالنسبة للفرشة المائية.
ومن هذا المنطلق يطالب السكان بضرورة اعتماد حوار مسؤول في إطار مقاربة تشاركية حقيقية، ويحملون السلطة الإقليمية المسؤولية فيما وقع ويقع، كما يعتبرون اعتماد المقاربة الأمنية من شأنه أن يزيد من درجة الاحتقان ويسمم الأجواء بهذه المنطقة العزيزة.
علاوة على ذلك، فاعتماد المقاربة الأمنية يتجلى في غلق باب الحوار، وفي المنع المكتوب لمسيرة لم يقدم في شأنها أي تصريح، وتحريك متابعة ضد عضو قيادي في الحراك وهو ابراهمي محمد الملقب بموفو والذي أدانته المحكمة الابتدائية ببوعرفة يوم الاثنين 19 فبراير 2024 بثلاثة أشهر نافذة وغرامة مالية قدرها ألف درهم بعدة تهم وهي: إهانة موظفين عموميين أثناء ممارستهم لمهامهم وبسبب قيامهم بها عن طريق أقوال وإشارات والتهديد بارتكاب فعل من أفعال الاعتداء على شخص وتحريض اشخاص اخرين على ارتكاب جنايات وجنح دون أن يكون لهذا التحريض مفعول وذلك بواسطة الخطب والصياح والتهديدات المفوه بها في أماكن وتجمعات عمومية، والمساهمة في تنظيم تظاهرة غير مرخص بها. كما أدانت نفس المحكمة السيدة زايد حليمة بستة أشهر موقوفة التنفيذ وغرامة مالية قدرها 2000 درهما. وهو ما أعتبرته بعض الهيئات الداعمة للحراك محاولة لثني الحراك عن بلوغ أهدافه وتحريف مساره وترتيب أولوياته.
ضد التفويت ولكن…
إن ساكنة واحة ترفض قرار التفويت وتطالب باحترام قرار المجلس في تصويته الأول يوم 26 أكتوبر 2023 وهو ما تعبر عنه الشعارات المكتوبة مثل ” فجيج ليست للبيع”، وبعض الشعارات المنطوقة مثل: ” المياه مياهنا والقرار قرارنا” ، ” الشركة لازم ترحل”، وفي المقابل يتشبثون بضرورة تدبير قطاع الماء من طرف المجلس الجماعي كما في السابق، وبمعالجة الاختلالات التي طالت تدبير المحلس البلدي لهذه المادة الحيوية والتي تتمثل في:
ـ ضعف البنية التحتية واهترائها وافتقارها الى التجديد والصيانة  للقنوات والعدادات.
ـ النقص في الموارد البشرية الكافية والمؤهلة والوسائل الضرورية لتدبير هذه الخدمة.
ـ عدم توفر المجلس على الوسائل التي تمكن من تتبع التسربات، وتحديد كل المساكن والمرافق المرتبطة بشبكة الماء بشكل قانوني.
ـ عدم استخلاص المجلس لكل مستحقاته من عوائد الماء وهو ما يساهم في ضياع موارد مهمة من أموال الشعب.
ـ تفشي “الحزبوية” الضيقة في التعامل مع المشتركين:”هذا ديالنا هذا خاطينا”، وسياسة الكيل مع المشاركين في شبكة الماء، وعدم التعامل على قدم المساواة مع المواطنين.
ـ تبذير مياه الشرب من طرف البعض في سقي المغروسات دون مراعاة لندرة هذه المادة الحيوية طالما أن المجلس في نهاية المطاف يقدر المستحقات بشكل جزافي وليس على أساس الكمية الحقيقية المستهلكة.
ـ ضعف مراقبة الاجهزة المؤسساتية للمال العمومي مثل المجلس الأعلى للحسابات.
هذه في نظرنا بعض الاختلالات التي يجب تصحيحها لتأهيل المجلس الجماعي لتدبير قطاع الماء بفجيج. فالخوصصة لن يجني منها المواطن الفجيجي سوى الهلاك وأمامنا عدة تجارب على المستوى الوطني.
فهذا هو البديل الذي نقترحه حتى لا يتحول المجلس الجماعي إلى مجرد مؤسسة لاستخراج عقود الازدياد والحياة والمصادقة على الوثائق وبيع الطوابع فقط لأن مثل هذه الأمور يمكن تجاوزها في زمن الرقمنة.
الحاجة لبدائل ديموقراطية:
إن سكان مدينة فجيج يعانون من تدني الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وضعف الخدمات العمومية، فلكي يتلقى المواطن/ة “الفجيجي” العلاج يجب ان يتنقل إلى بوعرفة مقر الإقليم التي تبعد ب 108 كلم وهو ما يتسبب في ارتفاع الوفيات خاصة بالنسبة للأطفال والنساء، كما أن 70% من أراضي سكان فجيج ثم سلبها منهم على اثر المعاهدة التي ابرمت بين الحسن الثاني وهواري بومدين سنة 1972 ،وعلى اثر ضم منطقة العرجة من طرف الجزائر بشكل نهائي سنة 2021. ناهيك عن ذلك فالمدينة تعاني من الركود والتهميش والحصار (تحيط بها الحدود الجزائرية من ثلاث جهات)، وغياب بدائل تنموية حقيقية، ومن التناقص الديموغرافي المهول، وضعف النمو وارتفاع البطالة، وضعف الخدمات الاجتماعية.
وعلى هذا الأساس أصبحت جماعة فجيج تعد من أكثر الجماعات فقرا على المستوى الوطني حسب المندوبية السامية للتخطيط.
وتأسيسا على ما سبق، على المسؤولين التقاط الإشارات، والاستماع إلى نبض الشارع، والتراجع عن قرار التفويت الذي هو قرار سياسي، وذلك رفعا للاحتباس الذي تعرفة المدينة، وتجنيب المنطقة ما لا يحمد عقباه، أو يخدش صورة المغرب الذي أصبح يترأس مجلس حقوق الانسان. وهذا رهين باعتماد مقاربة ديموقراطية لحل المشاكل المتراكمة مع إشراك أصحاب المصلحة، وتفعيل توصيات هيئة الانصاف والمصالحة في الشق المتعلق بجبر الضرر الجماعي والتي مرت 20 سنة على صدورها (2004)، واعتماد سياسة تنموية حقيقية تستجيب للحاجيات الملحة للسكان، وتوفر فرص الشغل وتشجع على الاستقرار. فمدينة فجيج ـ وكل الإقليم ـ بحاجة إلى مبادرات تفضيلية مستعجلة لمواجهة الاقصاء والتهميش، وتجاوز الركود الاقتصادي الناجم عن اغلاق الحدود، واعتماد أسلوب الحوار كسبيل لحل كل المشاكل القائمة.
الصديق كبوري/ فاعل حقوقي.