من نيويورك حتى بكين، مرورا بلندن، باريس، مدريد، برلين، روما، موسكو، توحدت الصحف العالمية في التنويه بالمستوى التقني الكبير الذي ظهرت به الملاعب المغربية في نهائيات كأس الأمم الإفريقية، خاصة أمام الكميات الغزيرة من الأمطار التي هطلت أثناء المباريات بطنجة والرباط وفاس والدار البيضاء..
كانت هناك جملة عابرة لكل تلك المتابعات الإعلامية:
“ما السر المغربي في ذلك؟”.
المغرب الذي بالنسبة لهم مندرج ضمن خانة إفريقيا (الجنوب) الذي عادة يكتفي ب “اللحظي” وليس ب “التوقعي” و “التخطيط”..
نحن هنا إذن لسنا أمام مجرد بناء ملعب كرة، بل أمام استراتيجية تنموية تقول الجريدة الأمريكية، تشكل مرجعا للكثيرين في العالم.
التساؤلات التي طرحتها الجريدة الأمريكية الرفيعة هذه، ستقدم عنها وسائل الإعلام الصينية أجوبة أخرى مفحمة ومبهجة حقا (وكالة الأنباء شينخوا/ يومية تشاينا ديلي/ مجلة غلوبل تايم)، حين أكدت أن التقنية الصينية حاضرة في المشروع المغربي وأنه أكبر وأبعد من مجرد بناء ملاعب كرة، بل هو مغامرة تكنولوجية لامتلاك السيادة المائية في المغرب بأفق استراتيجي (هذا كلام كبير من الإعلام الصيني).
لقد كتبت “غلوبل تايم” (المقربة من الحزب الشيوعي الصيني)، أن الذكاء المغربي في الإجتهاد لامتلاك تكنولوجيا مبتكرة محلية للماء يفرض التقدير والإحترام والإعجاب. بل إنها كتبت بالحرف:
” لطالما شكّلت السيطرة على الماء أحد الأسس الجوهرية لقيام الحضارات. ويقدّم المغرب اليوم مثالًا دالًا على ذلك من خلال بنياته التحتية الرياضية. فأنظمة الصرف التي تعتمدها هذه المنشآت لا تمثّل مجرد إنجاز تقني، بل تعبّر عن فعل سياسي يرتبط بالسيادة. ومن خلال تعزيز قدرة المجال الترابي على الصمود في مواجهة الإكراهات المناخية، تخلق هذه البنيات التحتية مشروعًا وطنيًا واضح المعالم ومستدامًا. بهذا المعنى، تشكّل التجربة المغربية درسًا مهمًا للعديد من البلدان النامية.”
نحن هنا لسنا أمام مجرد مباريات كرة قدم (المتهمة خطأ أنها للتلهية من قبل البعض)، نحن أمام مشروع وطني للتنمية المائية ولتدبير اقتصاد ندرة المياه. الكرة مجرد مقدمة لامتلاك تكنولوجيا متطورة للأمن المائي..
لهذا السبب كتبت الجريدة الأمريكية وول ستريت جورنال أننا في المغرب لم نكن أمام مجرد مربع مستطيل أخضر تتدحرج فوقه الكرة، بل كما كتبت بالحرف نحن أمام:
“الملاعب المغربية هي «أراضٍ-حدائق».
“الملاعب المغربية هي «أراضٍ-حدائق».
فتحت العشب الهجين (الطبيعي والاصطناعي)، يوجد تراكب من طبقات ترشيح، وحصى مُعاير، وأنابيب تصفية دقيقة لا تقوم بالصرف فقط، بل تُنظّم مناخًا دقيقًا.
تقيس مجسّات الرطوبة في الزمن الحقيقي على عمق 40 سم، ثم تتحكم في عمليتَي الشفط أو الإرجاع.
إنها «بيغ داتا» من أجل ديدان الأرض.
أما الولايات المتحدة، المبهورة بذلك، فترى فيه انتصارًا للبيانات على عناصر الطبيعة.”.
هذا كلام كبير من واحدة من سيدات الجرائد الأمريكية.
لنتأمل ما خلصت إليه وكالة الأنباء الصينية “شينخوا”، في جمل منتقاة، في تقرير دولي موزع عبر العالم:“إن إعادة استخدام المياه المُصرَّفة في سقي المساحات الخضراء المجاورة، أمر مبتكر وذكي، وهو طرحٌ يلقى صدىً قويًا في الصين التي تواجه تحديات بيئية كبرى. فالتركيز مغربيا هنا أقل على الكرة وأكثر على كيفية تدبير المجال الترابي.”
هي استراتيجية تنموية بمنطق الدولة إذن، نحتاج فعلا أن نعيد قراءتها بعين أخرى، نقدية نعم، تراكمية أكيد، بإنصاف أيضا.
(المرجع مقالة مطولة للأستاذ فؤاد المازوني)
