المسلم هو الشخص الذي يؤمن بالله، سبحانه وتعالى، ويُقِرُّ بوجوده وبوحدانيته، إضافةً إلى الالتزام بتنفيذ أركان الإسلام الخمسة وتسخيرها لعبادة الله، عزَّ وجلَّ، وحده. وكذلك، الالتزام باتِّباع الطريق المُستقيم الذي رسمه الله لعِبادِه في كتابه العزيز، القرآن الكريم والذي كلَّف الرسول محمد (ص)، من خلال الوحي، بنشره بين الناس.
وللتذكير، الإسلام هو الدين الواحد والوحيد الذي أراده الله، سبحانه وتعالى، للبشرية جمعاء منذ نوح، عليه السلام، إلى آخر الرسل والأنبياء محمد (ص). وللاطِّلاع على تفاصيل هذا الموضوع، المرجو الرجوع إلى مقالةٍ نشرتُها على صفحتي في موقع “الأنطولوجيا” بتاريخ 2 يناير 2025 تحت عنوان “منذ نوح، عليه السلام، إلى آخِر الأنبياء والرسل، محمد (ص)، الدين دينٌ واحد وهو الإسلام”.
أما كلمة “إسلاموي” islamiste، فهي غير موجودة في القواميس العربية. وعلى ما يبدو، تمَّ استحداثُها son invention أو sa création في بداية الألفية الثانية في العالمين العربي والإسلامي. وتم استحداثُها للدلالة على إسلامٍ مخالفٍ للإسلام الأصلي، اختلافاً يطبعه التَّطرُّف والعنف والقتل. وكلمة “إسلاموي” تُطلَق على المسلمين المتطرّفين musulmans extrémistes. وكلمة “إسلاموي” مشتقة، في الحقيقة، من كلمة “إسلاموية” islamisme.
والإسلاموية هي عقيدة doctrine المسلمين المتطرفين الذين لا يزال عندهم حنينٌ للخلافة une nostalgie pour le califat التي هي نظام حكم ثيوقراطي théocratique يستمد كل قوانينه من الدين الإسلامي أو من الشريعة. والإسلاموية، كعقيدة، تمزج بين الدين والسياسة لتُفرزَ إيديولوجيا سياسية تعتمد على العنف والقهر والإجبار والتَّضييق والتَّشدُّد والتَّهديد…
علماً أن كلَّ مَن يُخالف عقيدةَ الإسلامويين مصيرُه التَّكفير الذي قد يُتوَّج بالقتل. وكل مخالف لهم قد يُنظر له كشخصٍ خارجٍ عن الدين الإسلامي. والإسلامويون لا يعترفون بوَسَطِية الإسلام وسماحتِه واعتداله. فعوض أن يمسكوا العصا من الوسط، مسكوها من أحد الطرفين الذي فيه غُلُوٌّ وإفراطٌ ومبالغة ومغالاة.
هذا هو النَّهج الذي تبنَّته وسارت عليه الجماعات الإسلاموية كداعش (الدولة الإسلامية في العراق والشام) والقاعدة وبوكو حرام والنُّصرة وغيرُها من الجماعات المتطرفة دينياً. ونهجُهم هو أنهم، في الحقيقة، يعتقدون أن الدينَ، عبادات ومعاملات، هو، في نفس الوقت، نظام سياسي، بإمكانه تسيير شؤون الدولة، لكن، فقط وحصريا، بالاعتماد على الخلافة وعلى الشريعة. فأين يكمن الفرق بين الإسلام، كدين comme religion والإسلاموية كعقيدة comme doctrine؟
جوابا على هذا السؤال، الإسلام، كدين، مفتوحٌ، اختيارياً، لمَن أراد أن يؤمنَ به، اعتماداً على ما ورد في القرآن الكريم من آيات تبيِّن هذا الاختيار بوضوح. من بين هذه الآيات، أخص بالذكر ما يلي :
1. “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” (البقرة، 256).
2. “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ” (يونس، 99).
بينما الإسلاموية ترى أن الدينَ (الإسلام)، يجب فرضُه على الناس طوعاً أو كُرهاً. وكل مَن خالَف أو رفَض هذا التَّوجُّه، مصيرُه، كما سبق الذكرُ، التكفير، إن لم يكن القتل.
ولهذا، يُقال إن كلمةَ “إسلاموي” هي، في الحقيقة، دمجٌ بين كلمتين، “إسلامي” و “دموي” نظراً لميولِهم، بسرعة، إلى سفكِ دماء كل مَن يُخالفهم أو لا يعترف بعقيدتهم.
ومما يميِّز، كذلك، عقيدتَهم هذه عن الإسلام الوسطي، السمح والمعتدل، هو رفضُهم لكل ما يُنتِجه الغربُ الذي، في نظرهم، غارقٌ في الكفر. فكم هي كثيرة فتاوى علماء وفقهاء الإسلامويين بتحريم كل ما ينتِجه الغرب من تكنولوجيات ومن أجهزة وآلات التي، هي، في الحقيقة، تسهيلٌ للأعمال، وخصوصا، الشاقة منها، والتي يقوم بها الناس يدوياً يوميا. ورغم هذا التَّسهيل، فإن هذه التِّكنولوجيات والأجهزة والآلات محرَّمة على أتباع الإسلامويين، لأنها من إنتاج الكفار.
والإسلامويون لا يُعيرون أي اهتمام بالأضرار التي يُلحِقونها بالإسلام كدينٍ وسطي، سمحٍ ومعتدل. فبقدر ما يتبيَّن للناس وسطِيةُ الإسلام l’islam du juste milieu وسماحتُه sa tolérance واعتدالُه sa modération، فبقدر ما يزيد الإسلامويون في تطرُّفهم ومغالاتِهم في عقيدتهم.
من بين هذه الأضرار التي عانى ويُعاني منها الإسلام، كدينٍ وسطي، سمح ومعتدل، السُّمعة السَّيِّئة التي أصبح عامة الناس في الدول الغربية، على الخصوص، يُلحِقونها بالإسلام، غير مُفرِّقين من جهة، بين الوسطية، السماحة والاعتدال، ومن جهة أخرى، بين التَّطرُّف الديني l’extrémisme religieux. بالنسبة لهؤلاء عامة الناس، لافرقَ بين الإسلام l’islam والإسلاموية l’islamisme. إلى درجةٍ وصل فيها الرأي العام الغربي إلى اقتران الإسلام، كدينٍ وسطي، سمحٍ (فيه يُسرٌ) ومعتدلٍ، بالإرهاب terrorisme.
ولا داعي للقول أن التَّطرف الديني يُزعزع استقرارَ بعض البلدان، وخصوصا، بلدان الساحل الإفريقي كمالِي والنيجر ونيجيريا وبوركنافاسو وتشاد… التي أصبحت مركزاً للتَّطرُّف الديني العنيف l’extrémisme religieux violent. وما يزيد في الطين بلةً، بالنسبة لهذه البلدان، هو أنها لا تملك القدرة الكافية للقضاء عليه، أو على الأقل، للتخفيف من آثاره على مجتمعاتِها.
وما اقترفته داعش، في حق المواطنين العراقيين والسوريين، من رُعب ودمار، وما مارسته من احتقار وظلم في حق النساء واغتصابهن جنسياً وبيعهن في سوق النخاسة، ومن اضطهاد للأقليات الدينية والإثنية، ومن معاملات سيِّئة للمدنيين، ومن تجنيد للأطفال، ومن قطعٍ للرؤوس والإعدامات الجماعية، ومن تدمير للمعابد والآثار التاريخية ومن خِتانٍ للنساء…، جرائم ضد الإنسانية، إن لم نقل جرائم إبادة منظمة.
ولا داعيَ للقول، كذلك، أن التَّطرُّف الديني قريبٌ، فكريا، من التيار الجهادي أو السَّلفية الجهادية. كلاهما يميلان للتَّطرف الديني والعنف. لكن التيار الجهادي له ميولٌ إلى عودة الدولة الدينية l’état théocratique أو ما كان يُسمَّى الخلافة التي يُؤمن أتباعُها بأن الدينَ عبادةٌ ومعاملاتٌ، لكنه، في نفس الوقت، نظام سياسي يستمدُّ قوانينَه، فقط وحصرياً، من الشريعة الإسلامية. علماً أن التَّيارين لا يؤمنان لا بالديمقراطية ولا بالانتخابات ولا بالبرلمانات ولا بحقوق الإنسان. ما يؤمنان به هو التَّطبيق الصارم لأحكام الشريعة كقطع يد السارق ورجم الزاني والزانية حتى الموت وقتل المرتدِّ وتارك الصلاة… علماً أن الإسلامويين يعتمدون على كثيرٍ من الأحاديث النبوية، وبالأخص، تلك التي وردت في “صحيح البخاري” وصحَّحها كثيرٌ من علماء وفقهاء السنة.
وعلى ذكر السنة، ما يجب الانتباهُ إليه، هو أن الإسلامويين، هم الآخرون، سُنِّيون، كما هو الشأن لأغلبية المسلمين. وما دام الإسلامويون سنِّيين، هناك سؤالٌ لا بدَّ من طرحه، وهو : “فما هي الفرقُ الحاسم والأساسي بين المسلمين والإسلامويين”؟
الفرق الحاسم والأساسي، يكمن في كون كل فئة تَفهم وتُدرِك مضامين آياتِ القرآن الكريم، وكذلك، السُّنَّة، حسب ما تملكه من خلفيات فكرية وثقافية.
المسلمون يرون في الإسلام ديناً فيه وسطية وسماحة واعتدال، مستندين على ما نصَّ عليه القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصادرة، فعلا، عن الرسول (ص).
أما الإسلامويون فإدراكهم للقرآن والسُّنَّة فيه غلوٌّ ومبالغة. ومشروعهم يمكن تلخيصُه في النقط التالية :
1. الإسلام دينٌ كوني une religion universelle يجب فرضُه على البشر جميعا. بمعنى من الواجب أن يكون جميع البشر مسلمين طوعاً أو كرهاً.
2. ممارسة نوعٍ من الرقابة على الأمة الإسلامية أو المجتمع الإسلامي لتفادي كل ما يعتبره الإسلامويون انحِرافا عن ما هم متعارفون عليه. بل للقضاء على المخالفين لهذا العُرف.
3. اللجوء إلى العنف أو ما يُسمُّونه الإسلامويون “الجهاد” لإرساءِ الدين الإسلاموي على قاعدة صلبة ولفرضه على الآخرين. وكل مَن يخالف الاتجاهَ الإسلاموي، فإنه يخالف حكمَ الله. ولهذا، فإنه يستحق عقابا un châtiment في الدنيا والآخِرة. والعقاب الدنيوي، فهو من اختصاص الحكام الإسلامويين.
4. الحكم والتَّشريعُ من اختصاص مطلقٌ للإله. التشريع هو الشريعة وليس التشريع الصادر عن الشعب. والحكم، كاختصاص إلهي، ينفي ما تُسمِّيه الدول الغربية النموذج الديمقراطي. وكل اعتراف بهذا النموذج يعتَبِره الإسلامويون خروجاً عن عقيدة الإسلام، كما يراه هؤلاء الإسلامويون. أو كُفراً تجب محاربتُه. وحتى إن تبنَّت بعض الدول الإسلامية النموذج الديمقراطي، فإنها ليست إلا خطوة لممارسة السلطة والانتقال، لاحقاً، إلى نظام الخلافة للحكم.
5. انصهار كل ما هو دنيوي temporel وما هو ديني أو روحي spirituel. بمعنى أن الخليفةَ هو خليفةٌ للرسول (ص) بوصايةٍ أبدِية من الله أو بتكليف أبدي منه.
هذه هي الإسلاموية islamisme كما يراها الإسلامويون أنفسُهم les islamistes eux-mêmes. إنها إيديولوجيا سياسية une idéologie politique عوض أن تكونَ دينا. إيديولوجيا تسعى إلى السيطرة على العالم باسم الدين.